ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب (الزمر:9 ). لنا مع هذه الآية عدة وقفات:
الوقفة الأولى: قرأ جمهور القراء قوله تعالى: «أمن» بالتشديد. وقرأ نافع وابن كثير وحمزة: «أمن» بالتخفيف على معنى النداء، كأنه قال: يا من هو قانت. قال الفراء: الألف بمنزلة (يا)، تقول: يا زيد أقبل، وأزيد أقبل. وحُكي ذلك عن سيبويه، وجميع النحويين، فالتقدير على هذا: قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار (الزمر:8) يا من هو قانت، إنك من أصحاب الجنة، كما يقال في الكلام: فلان لا يصلي ولا يصوم، فيا من يصلي ويصوم أبشر، فحذف لدلالة الكلام عليه.
الوقفة الثانية: قوله تعالى: «قانت» ذهب بعض السلف إلى أن (القنوت) في هذا الموضع قراءة القارئ قائماً في الصلاة، وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا سئل عن القنوت، قال: «لا أعلم القنوت إلا قراءة القرآن، وطول القيام «وقرأ» أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما».
وذهب آخرون إلى أن المراد بـ (القنوت) هنا: الطاعة، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله «أمن هو قانت» يعني بالقنوت: الطاعة؛ وذلك أنه قال موضع آخر ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون * وله من في السماوات والأرض كل له قانتون (الروم:25 - 26) قال: مطيعون. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل قنوت في القرآن فهو طاعة لله عز وجل». وروى جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: أي الصلاة أفضل؟ فقال: «طول القنوت» رواه مسلم، وتأوله جماعة من أهل العلم على أنه طول القيام.
ثم قال مجاهد: من القنوت طول الركوع، وغض البصر. وكان العلماء إذا وقفوا في الصلاة غضوا أبصارهم، وخضعوا، ولم يلتفتوا في صلاتهم، ولم يعبثوا، ولم يذكروا شيئاً من أمر الدنيا إلا ناسين. وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: من أحب أن يهون الله عليه الوقوف يوم القيامة، فليره الله في ظلمة الليل ساجداً وقائماً، يحذر الآخرة، ويرجو رحمة ربه.
الوقفة الثالثة: قوله تعالى «آناء الليل» «الآناء» جمع أنى، مثل أمعاء ومعى، وأقفاء وقفى، والأنى: الساعة، يعني: ساعات الليل. روي عن قتادة قوله «أمن هو قانت آناء الليل» أوله، وأوسطه، وآخره. قال الرازي: «وفي هذه اللفظة تنبيه على فضل قيام الليل؛ وأنه أرجح من قيام النهار».