إن لم يكن في هذه العاجلة على التحقيق، فهو في تلك الآجلة على التأكيد.
ولفظ السلام في أصل اللغة يدلّ على الصحة والعافية، وقد ورد في القرآن الكريم بصيغ مختلفة في أربعين ومائة موضع، ورد في اثني عشر ومائة موضع بصيغة الاسم، من ذلك قوله عز وجل ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا « (النساء:94)، وورد في ثمانية وعشرين موضعاً بصيغة الفعل، منها قوله سبحانه لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها (النور:27).
ولفظ السلام ورد في القرآن الكريم على سبع معان رئيسة، هي:
* اسم من أسماء الله، من ذلك قوله تعالى هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام (الحشر:33)، فـ السلام في الآية اسم من أسمائه سبحانه؛ ومن هذا القبيل قوله عز وجل لهم دار السلام عند ربهم (الأنعام:127)، قال السدي: الله هو السلام، والدار الجنة. وأكثر المفسرين على أن السلام في هذه الآية هو الله، وداره الجنة.
* الإسلام، من ذلك قوله سبحانه يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام (المائدة:16)، قال السدي: سبيل الله الذي شرعه لعباده ودعاهم إليه، وابتعث به رسله، وهو الإسلام الذي لا يقبل من أحد عملاً إلا به،
*التحيّة المعروفة، من ذلك قوله تعالى وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم (الأنعام:54)، قال عكرمة: نزلت في الذين نهى الله عز وجل نبيه عن طردهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام. وقال ابن كثير: فأكرمهم برد السلام عليهم، وبشرهم برحمة الله الواسعة الشاملة لهم؛ ونحو هذا قوله سبحانه فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم (النور:61).
* السلامة من الشرّ، من ذلك قوله سبحانه قيل يا نوح اهبط بسلام منا (هود:48)، أي: بأمن منا أنت ومن معك من إهلاكنا، قال القرطبي: أي: بسلامة وأمن؛ ومن هذا القبيل قوله سبحانه ادخلوها بسلام آمنين (الحجر:46)، أي: سالمين من عقاب الله.
* الثناء الحسن، من ذلك قوله سبحانه سلام على نوح في العالمين (الصافات:79)، قال ابن كثير: مفسِّر لما أبقى عليه من الذكر الجميل والثناء الحسن، أنه يُسلَّم عليه في جميع الطوائف والأمم؛ ونحو ذلك قوله تعالى: سلام على إبراهيم (الصافات:109)، قال الشوكاني: السلام: الثناء الجميل. وقد يراد بـ السلام في هاتين الآيتين ونحوهما: السلامة من الآفات والشرور، وهو قول في تفسير الآيتين ونحوهما.
* الخير، من ذلك قوله تعالى وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما (الفرقان:63)، قال الطبري: إذا خاطبهم الجاهلون بالله بما يكرهونه من القول، أجابوهم بالمعروف من القول، والسداد من الخطاب. وقال مجاهد: قالوا سداداً من القول؛ ونحو هذا قوله سبحانه فاصفح عنهم وقل سلام (الزخرف:89)، قال ابن كثير: لا تجاوبهم بمثل ما يخاطبونك به من الكلام السيء، ولكن تألفهم واصفح عنهم فعلاً وقولاً.
* خلوص الشيء من كل شائبة، وذلك في قوله تعالى: ورجلا سلما لرجل (الزمر:29)، أي: رجلاً خالصاً لرجل. رُوي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما. وليس غيره في القرآن على هذا المعنى.
ولا يخفى، أن المفسرين قد يرجّحون معنى على معنى، لدليل شرعي، أو نقل لغوي، أو مقتضى سياقي، ولا غرابة في ذلك، ما دام اللفظ يحتمل هذه المعاني المتعددة.