عرض «أصوات وايقاعات» لمجموعة بانوراما: غوص في ذاكرة الجنوبي وأغاني الصحراء

الجنوب هو البوصلة، الجنوب موطن الحب ومولد الفكرة والموسيقى التي تكتبها الطبيعة وتلحنها وتصنع منها اهازيج للفرح، في الجنوب ولدوا

ومنه تعلموا تفاصيل الحياة وكيف يطرّزون تلابيب الجمال ليصنعوا منها اجمل النوتات الموسيقية الصادقة، من امتداد الصحراء تعلموا الصوت اللين ومن قسوة الجبل تعلموا الموسيقى القوية والكلمات الجادة ومن النسمات البحرية استنشقوا عبق العشق والعشق الصحراوي مميز جمّعه زياد منيفي في عرض سمّاه أصوات وإيقاعات.

رحلة موسيقية ممتعة في الذاكرة الشعبية للجنوب التونسي رحلة نبشت في خصوصيات ايقاعات الجنوب التقليدية وأهازيج الحياة هناك، رحلة لتقديم أغان غير معروفة اغان منسية فقط تردّد شفويا، وهي رحلة هي فكرة لزياد منيفي الباحث في اصوات الجنوب وإيقاعاته، رحلة قدمتها خمس فنانات كنّ كما شموع الحب الملتهبة وهنّ فاطمة سلطان وهالة اسماعيل ومنية عبد العالي وعزة العقربي وأسماء بوقارص.

في الجنوب تولد اهازيج الحياة
جوقة موسيقية تصنع الحدث، خمسة عازفي ايقاع يعلنون عن انطلاق الحفل بضرباتهم المتسارعة على «الدربوكة» كأنها لحظات الولادة الأولى آلة الطبل على الرّكح فللطبل حضوره في ايقاعات الجنوب وجزء من الفرح لا يغيب، يصاحبهم عازف الناي او صوت الصحراء وصدى اوجاعها وأحلامها و الة الكلافيي والقيثارة كلتاهما تكتب نوتات عصرية تتماهى مع اللحن الاصلي الممتع تتوسطهم جميعا خمس فنانات لاصواتهنّ سحرها.

موسيقى هادئة فصوت لامرأة يخترق القلب ويغوص في خباياه، صوت فاطمة سلطان تغني «مرية جينا» اولى تهليلات العرس في الجنوب قبل انطلاق الجولة الموسيقية في اهازيج الجنوب وأغاني الاعراس التي جمّعت في عرض اسمه «اصوات وايقاعات» عرض يعطي الاهمية للصوت الخام دون موسيقى ولا يعطي قيمة للايقاعات لوحدها لصناعة ملحمة الفرح الساحرة التي شاهدها الجمهور في مسرح الجهات بمدينة الثقافة.

الرحلة الموسيقية اسمها «اصوات وإيقاعات» وهي رحلة تغوص في النصوص الشفوية القديمة، رحلة بحث في نصوص لم تغنّ من قبل لتقديمها الى المتفرج بحث في خامات الصوت والايقاعات الاصلية وتقديمها دون اضافات دون بهرج تقديم الايقاع كما ولد اول مرة في اطار تعريف الاخر بتراث الجنوب الشرقي واهازيج الفرح هناك ، على الرّكح نقلوا جزءا من العرس فالفنانات لبسن اجمل الحلي والحولي الاحمر اللون الذي تلبسه المرأة في العرس، غنوا ورفعوا صوت الحياة عاليا، تناسق عجيب بين اصوات الفنانات و الايقاعات لا وجود للنشاز ولا الارتجال ليقدموا عرضا متكاملا، عرضا يرحل بالذاكرة الى الجنوب الى قصوره الى حكايا الصحراء وقصص العشق فيها، الى اغاني الغزل والحب وأغاني البطولة والأمل، على الرّكح قدموا تهاليل العرس وأغانيه :عزيزة طلت» و «يا ريم» و «زين» الوضاح» اغان غزلية لها مميزاتها وخصوصياتها الجنوبية ابدعت الفنانات الخمس في ترجمتها حسّيا ونقلها إلى الجمهور وإن استعصت عليها الكلمات فالموسيقى تخترق الاحساس وتحملك الى عوالم الصحراء لتنتشي.

الغزل بأصوات نسائية
في الجنوب تولد قصص الغزل المميزة، في الصحراء تولد حكايات الحب الصادقة والصارمة وفي الجنوب مولد الموسيقى تكون الاغنية رسالة العاشق لمعشوقته، الشعر الشعبي يكون وسيلة البوح بالحب و في عرض اصوات وايقاعات تكون الرحلة في الذاكرة الشفوية للجنوب وأغانيه التي قالها العشاق منذ القديم وظلت تردد في الاعراس كعلامات للجمال.

الغزل والعشق من مميزات الرجل الجنوبي مع الكتمان وعدم البوح بالمشاعر وكتابتها في قصيد او اغنية تصبح فيما بعد دليل الحب، في «اصوات وايقاعات» غنوا «العزيزة طلت» اغنية غزلية يقول كاتبها «العزيزة طلت بعد العطش الارياق تبلت (بعد عطش الفراق بلّ الريق)، كانك شاطر وسّع معاي الليل (ان كنت شاطرا اقضي معي الليلة)، العزيزة توقي وشاش الخاطر (مناجاة للحبيبة لتظهر)، لمتاش ما تطفى لهايب شوقي» اغنية غزلية ينفث فيها العاشق لوعة الفراق ونار الحب ويرجو حبيبته ان تظهر علّ السّهاد و المرض يغيبان حين تطل بطلتها البهية «السّمحة» كما يقولون في الجنوب.

الغزل والحب من مميزات الصحراء، اغاني كتبها محبون وغنتها اصوات ساحرة، نسوة الجنوب صاحبات الاحساس المرهف بالكلمة و اللّحن، اصواتهنّ كانت مطية للمتعة للسّحر، اصواتهن تتغلغل في القلب والذاكرة فتصنعن نغمات مميزة وموسيقى مختلفة موسيقى العشق الازلي الذي يسكن الجنوبي لصحرائه التي يراها عالمه ومملكته ومعشوقته.

2014 اصوات وإيقاعات عرض فاز في ايام قرطاج الموسيقية، عرض حنوبي الروح والهوى، عرض قدمت فيه الاغاني المنسية دون تهذيب او تشويه حافظوا على اللحن و الكلمة لتقديمها الى الجيل الجديد للتعريف بالموروث الشفوي للجنوب التونسي والعرض قدمته مجموعة بانوراما وهي مجموعة تكونت اساسا في المعهد العالي للفنون والحرف بقابس ومنذ تأسيسها الى اليوم تعمل على الموروث و الابتكار وتقديم ذاكرة الجنوب الشرقي الى المتفرج، ذاكرة لفّها النسيان يحاولون اعادة احيائها بالأغنية التي لا تموت.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115