قال لي أبي أي سيدنَا أبو بَكْرٍ الصدّيق، رَضيَ الله عنه، ألاَ أعَلِّمكَ دعاءً، عَلَّمنيه، رَسول الله، صلّى الله عليه وسلّمَ، قلت: بَلَى، قَال أبو بكر: قولي: اللهمَّ فارجَ الهَمِّ، كاشفَ الغَمّ، مجيبَ دعوَة المضطرّينَ، رحمانَ الدنيَا والآخرة ورحيمَهما، أنتَ تَرحَمني، فَارحَمْني رحمَةً، تغنيني بها عمّن سواكَ».
وأوَّلَّ مَا يستفاد من هذا الكلام العالي، والحديث الأغرّ الذي ذُكِرَ فيه رسولٌ، وخليفَةٌ وزوجة رسول، أمّ المؤمنين، أنَّ أبَا بكر، رَضيَ الله عنه، كان يُبَلّغ ما يعلمه إياه حبيبه وخليله، صلّى الله عليه وسلّمَ، ولا يحتفظ به لنفسه. فَأَعَزُّ مَا يُهدى إلَى الأبناء، وأفضل ما يعطى إلى فلذة الأكباد، التربية الصالحة، وخيارُ التربية الصالحة وسنامها، وأعلى مدارجها وأرقاها دعاءٌ نَبَويٌّ أغرُّ، وَكَلماتٌ ربانية، تَعرُجُ بالقلوب وتغَذِّيهَا، وتطَهِّرُ الأرواحَ وتزَكّيها.
ولمَّا كانَ هذا التعليم خصوصيةً لأبي بكر الصديق، رضي الله عنه، ثمَّ لسائر الأمّة، لا عَجبَ أن ينقله الصدّيق بأمانة ولا يضيع منه حرفا وفيه يقول :
«اللهمَّ فَارِجَ الهَمِّ»: فقد جيء الكلامُ بصيغة النّدَاء والضَّرَاعَة، إذْ نَادَى الحبيبُ، صلّى الله عليه وسلّمَ، رَبَّه، تَعَالَى، بوصْف وفعلٍ هما لله، فصاغَ ذلكَ بصيغَة اسم الفاعل (فَارج) أي الذي يكشف الهموم والكُرَبَ، ويُجليهَا عن القلوب.
ثم يضيف النبي، صلّى الله عليه وسلّمَ، ببلاغته العالية، عَلَى طريقة الاتباع (وهي من فنون البديع) قوله: «كَاشفَ الغَمِّ» أي مُزيلَه وَمُبعده، ولَقد اشتَقَّ النبي، صلّى الله عليه وسلّمَ، هَذَا الوَصفَ من مكتنز القرآن في قَوله تعالى: في سورة الأنعام، الآية،17 وإنْ يمسسك بضر فلا كاشف له إلا هو أو في سورة يونس، الآية 107 وإن يمسسك الله بضرٍّ فلا كَاشفَ له إلا هو. وهذا الكلامُ إقرارٌ صريحٌ من فؤاد المصطفى، صلّى الله عليه وسلّمَ، بأنْ لاَ كاشفَ للكُرَب إلاَّ هو، ولا مزيل للشدائد إلا هو تعالى، فَلذلك لا ينبغي اللجوء إلاَّ إلَيه ولا التوكل إلاَّ عَلَيه.
ولذلك كان، صلّى الله عليه وسلّمَ، يَهرع إلَى الصلاة والدعاء كلما اشتد به أمرٌ فقد جاء عن ابن عباس، رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حَزَبَهُ أمْرٌ قَال: لا إله إلا الله العظيم الحَليم، لا إله إلا الله رب العرش الكريم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم» رواه مسلم (كتاب الذكر والدعاء/ باب دعاء الكرب/ 2730
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَه أمر صلى» رواه أبو داود (كتاب الصلاة / باب وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل/ 1319). وعَن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا حَزَبه أمر قال: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث».
رواه الترمذي (كتاب الدعوات / باب (92) / 3524) ومعنى حَزَبه أمر: نابه واشتد عليه. كما جاء في المعجم الوسيط».