ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا (النساء:69).
فـالصديقون: قوم دون الأنبياء في الفضيلة، ودرجتهم بعد درجة النبيين. ومعنى الصدق مطابقة القولَ الضميرَ والمُخْبَر عنه معاً.
وقد ورد لفظ الصدق في القرآن الكريم في ثلاثة وخمسين ومائة 153 موضع، جاء في واحد وثلاثين 31 بصيغة الفعل، نحو قوله تعالى ولقد صدقكم الله وعده (آل عمران:152). وجاء في اثنين وعشرين ومائة 122 موضع بصيغة الاسم، من ذلك قوله سبحانه والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون (الزمر:33). وأكثر ما ورد لفظ الصدق بصيغة جمع المذكر السالم المنصوب أو المجرور، حيث جاء في خمسين موضعاً 50، من ذلك قوله عز وجل يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين (التوبة:119).
وأكثر ما ورد لفظ الصدق باشتقاقاته المختلفة وصفاً للمؤمنين، فجاء في القرآن على معان هي :
* التبليغ، جاء على هذا المعنى قوله عز وجل ليسأل الصادقين عن صدقهم « (الأحزاب:8)، أي: ليسأل الأنبياء عن تبليغهم الرسالة إلى قومهم. وفي هذا تنبيه للعباد؛ أنه إذا كان الأنبياء يُسألون فكيف مَنْ سواهم.
* التوحيد، جاء على هذا المعنى قوله عز وجل هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم (المائدة:119)، قال ابن عباس: يوم ينفع الموحدين توحيدهم.
*الذين صدَّقت أقوالَهم أفعالُهم، جاء على هذا قوله سبحانه للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون (الحشر:8)، قال ابن كثير: أي: هؤلاء الذين صدقوا قولهم بفعلهم، وهؤلاء هم سادات المهاجرين.
* لزوم الصدق، جاء على هذا قوله عز وجل يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين (التوبة:119)، قال ابن كثير: اصدقوا والزموا الصدق تكونوا مع أهله وتنجوا من المهالك ويجعل لكم فرجا من أموركم، ومخرجاً. وأكثر ما جاء لفظ الصدق في القرآن على هذا المعنى.
* العباد المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، والصدق بمعنى العهد، من ذلك قوله تعالى ليجزي الله الصادقين بصدقهم (الأحزاب:24)، قال الطبري: ليثيب الله أهل الصدق بصدقهم الله بما عاهدوه عليه، ووفائهم له به.
وكثيرا ما تلصق بكلمة الصدق كلمة أخرى في أدعية مثل ما أمر سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق، فقال: وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق (الإسراء:80). وأخبر عن خليله إبراهيم عليه السلام أنه سأله أن يجعل له لسان صدق في الآخرين الشعراء:84. وبشر عباده أن لهم قدم صدق، فقال: وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم (يونس:2). وبشرهم أيضاً أنهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر (القمر:55). فهذه خمسة أشياء: مُدخل الصدق، ومُخرج الصدق، ولسان الصدق، ومقعد الصدق، وقدم الصدق.
أما مُدخل الصدق ومُخرجه فقد تعددت الأقوال في المراد منهما، ورجح الطبري أن المراد: أدخلني المدينة مدخل صدق، وأخرجني من مكة مخرج صدق، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من التابعين وأما لسان الصدق فهو الثناء الحسن من سائر الأمم بالصدق ليس بالكذب. وقدم الصدق ذكر الطبري في المراد منه أقوالاً، ورجح أن المراد أن لهم أعمالاً صالحة عند الله يستوجبون بها منه الثواب.
ومقعد الصدق هو الجنة عند ربهم تبارك وتعالى، قال ابن كثير : أي: في دار كرامة الله ورضوانه وفضله، وامتنانه وجوده وإحسانه
نخلص ، أن لفظ الصدق من الألفاظ المحورية التي تواتر ذكرها في القرآن الكريم باشتقاقات مختلفة وتصريفات متعددة، وقد ورد هذا اللفظ -في الأغلب- وصفاً للمؤمنين بالله حق الإيمان، مع الإشارة إلى أن ألفاظ الصدقة، والتصدق، والمتصدقين، ونحو ذلك من الألفاظ التي تدخل تحت لفظ الصدق، قد جاءت في مواضع عديدة من القرآن الكريم تفيد معنى البذل والعطاء.