وهو قوله تعالى: ولا يغتب بعضكم بعضا (الحجرات:12)، ومن الآيات التي ورد فيها بصيغة الاسم قوله تعالى الذين يؤمنون بالغيب (البقرة:3). وكثيراً ما يقترن لفظ الغيب في القرآن الكريم بلفظ الشهادة، نحو قوله سبحانه: عالم الغيب والشهادة (الأنعام:73).
وجاء لفظ الغيب في القرآن الكريم بمعان مختلفة، حاصلها ما يلي:
الغيب كل ما غيَّبه الله سبحانه عن عباده، وبه فُسر قوله عز وجل: الذين يؤمنون بالغيب، قال الطبري: آمنوا بالجنة والنار، والبعث بعد الموت، وبيوم القيامة، وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وقيل: الغيب هنا: هو الله سبحانه، أي: يؤمنون بالله. وقيل: الغيب هنا: القرآن. وقيل: الغيب: القدر. قال ابن كثير: كل هذه الأقوال متقاربة في معنى واحد؛ لأن جميع هذه المذكورات من الغيب الذي يجب الإيمان به. ونظير هذا قوله عز وجل عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا (الجن:26). وأكثر ما ورد لفظ الغيب في القرآن الكريم على هذا المعنى.
* الوحي والقرآن، من ذلك قوله سبحانه وما هو على الغيب بضنين (التكوير:24)، فـ الغيب هنا -كما قال المفسرون- هو: القرآن. قال قتادة: إن هذا القرآن غيب، فأعطاه الله محمداً صلى الله عليه وسلم، فبذله، وعلمه، ودعا إليه، والله ما ضنَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* حوادث القدر، من ذلك قوله عز وجل ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير (الأعراف:188)، أي: لو كنتُ أعلم ما هو كائن مما لم يكن بعد، لفعلت الكثير من الخير. ومن هذا القبيل قوله عز وجل: وعنده مفاتح الغيب (الأنعام:59)، قال الطبري: فأخبر الله تعالى ذكره أن عنده علم كل شيء كان ويكون، وما هو كائن مما لم يكن بعد، وذلك هو الغيب.
*عِلْم الغيب، وهذا غير قليل في القرآن، من ذلك قوله سبحانه أم عندهم الغيب فهم يكتبون (الطور:41)، قال الطبري: أم عندهم علم الغيب، فهم يكتبون ذلك للناس، فينبئونهم بما شاءوا، ويخبرونهم بما أرادوا.
* غيبة الزوج، وعلى هذا المعنى قوله سبحانه: حافظات للغيب بما حفظ الله (النساء:34)، حافظات لأنفسهن عند غيبة أزواجهن عنهن، في فروجهن وأموالهم، وللواجب عليهن من حق الله في ذلك.
الغيب بمعنى قعر البئر، وعليه قوله تعالى» وألقوه في غيابة الجب(يوسف:10)،
* الظن، ومنه قوله تعالى ويقذفون بالغيب من مكان بعيد (سبأ:53)، قال ابن كثير: بالغيب بالظن. يعني أنهم يرجمون محمداً صلى الله عليه وسلم، وما أتاهم من كتاب الله بالظنون والأوهام، فيقول بعضهم: هو ساحر،
* كلّ ما غاب عن حواس الإنسان وعلمه، من ذلك قوله تعالى وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين (النمل:20)، يقول القرآن على لسان سليمان: أخطأه بصري، فلا أراه، وقد حضر، أم هو غائب فيما غاب من سائر أجناس الخلق، فلم يحضر.
* أنه سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وعلى هذا قوله تعالى وما كنا غائبين (الأعراف:7)، قال ابن كثير: يخبر تعالى عباده يوم القيامة بما قالوا وبما عملوا، من قليل وكثير، وجليل وحقير؛ لأنه تعالى شهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء، ولا يغفل عن شيء، بل هو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (فاطر:19)،
* أحداث يوم القيامة والآخرة، من ذلك قوله عز وجل: الذين يخشون ربهم بالغيب (الأنبياء:49)، قال الطبري: يعني يخافون في الدنيا أن يعاقبهم في الآخرة إذا قدموا عليه بتضييعهم ما ألزمهم من فرائضه، فهم من خشيته، يحافظون على حدوده وفرائضه، وهم من الساعة التي تقوم فيها القيامة مشفقون، حذرون أن تقوم عليهم،
والمتأمل في مجمل المعاني التي ورد عليها لفظ الغيب في القرآن الكريم، يجد أنها تدور على معنى ما استأثر الله بعلمه، وحجب علمه عن عباده، وما جاء على غير هذا المعنى، فهو صادر منه، وراجع إليه.