عرض «ولادة» للبنى نعمان: المرأة ذاكرة، والذاكرة لا تموت ...

الوطن امرأة، الاغنية انثى متمردة وفكرة جامحة لا تعترف بالحدود، المرأة أنثى النوتات انثى ومن رحم كل انثى تولد اهازيج

الحياة، تولد اهازيج الرفض وأفكار حرّة تتحدى الواقع وتتجاوز النواميس المجتمعية ولأنها انثى غنّت لبنى لحوّاء غنت لتمردها لسحرها لحريتها و للولادة في عرض سمّته «الولّادة».

«الولاّدة» عرض موسيقي يرحل في التراث الشفوي لاغاني النسوة يجمعها ويعيد مهدي شقرون وقيس المليتي توزيعها وكتابتها الموسيقية مع الحفاظ على المبنى العام للاغنية والفكرة، عرض دامت مدة البحث فيه لاعوام شربت فيها لبنى من ينابيع التراث المختلفة لتتشبع وتقدمها الى جمهور تونسي متشوق لاكتشاف خبايا الذاكرة النسائية.

الولاّدة مرا وتونس ولاّدة
صوت الناي يرحب بضيوف العرض، جميعهم يلبسون الابيض لتكون الصورة اجمل، تماهت النوتات بين الالات الايقاعية والآلات الوترية، بين آلات البدو والآلات الكلاسيكية كان التّلاقي، التلاقي نفسه بين اغاني التراث اغاني الذاكرة والأغاني التي كتبت خصيصا للبنى نعمان ومن فكرة اللقاء ولد العرض.
صوت لعجوز تغني يملأ المكان، صوتها يدغدغ الذاكرة ويمس تجاويف القلب المظلمة ليضيئها وذاك هو الهدف الاول من فكرة الولّادة، فهو عرض يغوص في ذاكرة التونسي، عرض تجول في ربوع الوطن وبحث في أصوات النساء واهازيجهنّ اثناء الفرح والترح، جمعوا الاغاني وأعاد مهدي شقرون المؤمن بقدرة المرأة على التميز توزيعها لتصبح الاغاني كما صورة المرأة في موسيقاه جميلة يزينها الوشام حرّة في كلمة «مرا تونسية».

نوتات متباينة تبدأ الرحلة بالطبل ليعلن عن انطلاق المسيرة، ثم نوتات مجنونة من مجنون الدرامز محمد الخشناوي لتصبح هادئة ولينة مع الصحبي مصطفى وآلة الوتر الرقيقة فأكثر هدوءا مع الة الناي، ليزداد جنونها مع صخب القيثارة، النوتات ورحلتها تتماهى مع رحلة لبنى ومهدى في ربوع تونس وهم ينصتون الى النسوة يغنّين ويجمعن الذاكرة والموروث لإعادة كتابته وتقديمه حتّى لا يدخل خانة النسيان.

الرحلة انطلقت من المرأة، من الام التي تهدهد طفلتها وتغني لها «سعدي سعد سعدي سعد بنتي خير من الف ولد»، لتذهب بعيدا في الذاكرة، فالولادة عرض ورحلة في الذاكرة الشفوية لاغاني غنّتها النسوة او اغاني تغنّت بالنسوة وأبدعت في وصفهنّ، هي رحلة في ذاكرة امرأة ترفض النواميس وترفض الزواج فغنّت «يمّا وجعتوها، لا تظلموش البنت يمّا وجّعتوها» نفس المرأة الموجوعة والمظلومة غنّت «على جنّات يا من صبر صبري»، هذه المرأة الخانعة بحكم المجتمع وعاداته نجدها في فترة ما ترفض الواقع وترمي بنفسها الى الموت لانّه اقل قسوة من ظلم المجتع فغنت «البابور الى هز رقية»، الرحلة النسوية لازالت متواصلة، الرحلة فيهنّ، الى قلوبهنّ وحكاياتهنّ وأوجاعهنّ رحلة الفرح والترح والفراق والوصال يجدها المستمع في اغاني «الريم عرضني» و «القلب شاقي» و «توحشتك توه» و»بتي سهرانة».

الاغنية أنثى ولهذه الانثى بحث الثنائي مهدي شقرون ولبنى نعمان لاعوام ليقدموا عرضهم الولّادة، فالولّادة هي رؤية ملحن ومؤلف موسيقيّ يسعى إلى إيصال هذا المشروع الى الحياة، وتقديم مكوناته التراثية دون تشويهها،هذا التراث الثمين فحدّد له شكلًا فنيًا ذو نزعة بدوية في محاولة للإنصهار مع بنيتها وإيقاعاتها.
«الولّادة» هذه الرحلة،هي التلاقي،هي الاستئناس بالمألوف ومسار نحو الخلق تكاثفت فيه أصوات النساء وأغانيهن حملتها لبنى نعمان محاولة السير على خطى اولئك النساء لتكون صوتا لهنّ وتنقل الى المتفرج احلامهنّ.

الى شهيدات الخبزة غنّت
اليكنّ كل التحايا، اليكنّ كل الحب، اليكنّ ايتها الصادقات الحالمات كل اهازيج الحب و الحياة والوّد، اليكنّ السّلام، فانتنّ نور هذا الوطن انتنّ نبراس الحب فيه، اليكنّ ايتها العاملات الكادحات غنّت لبنى نعمان «محرمة» رافعة «المحرمة الخضراء اللون التي اصبحت رمزا للكادحات، الى شهيدات الخبزة وضحايا حوادث العمل غنّت لبنى بكل الصّدق، نوتات الناي الحزينة التي عزفتها سمر بن عمارة كانت كأنين اليتم والوجع، انين الوطن المكلوم في نسوته، موسيقى الة الوتر كانت مثل اصوت اللطم و اللوعة او هي اعادة كتابة لأحلامهنّ بالموسيقى، وبالموسيقى والأغنية رثتهنّ لبنى نعمان ومهدي شقرون بلحن يجمع الوجع و البهجة فهنّ عنوان لهذا الوطن الحزين حينا والثائر احيانا اخرى واللحن المتسارع اعطى للوجع لونا اخر كأنه دعوة لتجاوز الالام والصحوة منها والبحث عن بقايا الاحلام المسروقة وافتكاكها والتمتع بسحر تونس.

الى شهيدات الخبزة غنّت، الى الكادحات الصادقات اهدت اغنية المحرمة، ولأنها انثى ولان للأنثى وحدها القدرة على سرقة الامل من وسط تلابيب الالم غنّت لبنى «مازلت خضراء» الاغنية التي تتغزل بها بتونس المرأة، تونس الوطن، تونس الانثى المتمردة ، تونس اهازيج الحياة وان قست، تونس الحضن الدافئ والفكرة الممتعة، تونس اغنية الحبّ، تونس المرا الولاّدة، وتونس ولاّدة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115