دعاء ومعنى: اللهم احفظني بالإسلام قائمًا،- 3 -

ولقد اختلف العلماء في نسبة الشر لله فمنهم من قال بعدم جوازه لقوله في الحديث النبوي : « و الشر ليس إليك» فلا ينسب الشر إلى الله تعالى

لأنه ليس من فعله تعالى، بل أفعاله عز و جل كلها خير لأنها دائرة بين العدل و الفضل و الحكمة وأن خفيت، و هذا كله خير لا شر فيه. و الشر إنما صار شراً لانقطاع نسبته وإضافته إليه تعالى. قال ابن القيم الجوزية : و هو سبحانه خالق الخير و الشر ، فالشر في بعض مخلوقاته لا في خلقه و فعله ، و لهذا تنزه سبحانه عن الظلم الذي حقيقته وضع الشيء في غير محله فلا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها و ذلك خير كله . والشر وضع الشيء في غير محله فإذا وضع في محله لم يكن شراً فعلم أن الشر ليس إليه . ا.هـ.

ومنهم من قال لا ينبغي إخراج الشر من أفعال الله تعالى يقتضي أن يكون للشر خالق غير الله تعالى، و هذا أسوء من أقوال المتكلمين، و قد قال الله تعالى (الله خالق كل شيء) و قال الله تعالى (والله خلقكم و ما تعملون) و في حديث آخر (أسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيراً) رواه ابن ماجه من حديث عائشة – رضي الله عنها –
و صححه الحاكم و وافقه الذهبي في تلخيصه. وفي هذه الأحاديث مع ما تقدم من الآيات أبلغ رد على من قال : إن الله تعالى لم يخلق الشر أو إن الله تعالى لا يفعله بأحد من خلقه. كما يقول ذلك المجوس و القدرية الذين هم مجوس هذه الأمة.

قال الخطابي : إنما جعلهم مجوساً لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس في قولهم بالأصلين و هما النور و الظلمة ، يزعمون أن الخير من فعل النور ، و الشر من فعل الظلمة، فصاروا ثانوية، و كذلك القدرية يضيفون الخير إلى الله عز و جل ، و الشر إلى غيره. و الله سبحانه و تعالى خالق الخير و الشر لا يكون شيء منهما إلا بمشيئته ، و خلقه الشر شراً في الحكمة كخلقه الخير خيراً. فالأمران معا مضافان إليه خلقاً و إيجاداً ، و إلى الفاعلين لهما من عباده فعلا و اكتساباً . انتهى.

و أحسن ما قيل في قوله صلى الله عليه و سلم (والشر ليس إليك) ما نقله النووي عن الخطابي : إنه إرشاد إلى الأدب في الثناء على الله تعالى بأن تضاف إليه محاسن الأمور دون مساويها على جهة الأدب..

قال النووي – رحمه الله - : و أما قوله (والشر ليس إليك) فمما يجب تأويله لأن مذهب أهل الحق أن كل المحدثات فعل الله تعالى و خلقه ، سواء خيرها وشرها، وحينئذ يجب تأويله، وفيه خمسة أقوال أحدها معناه لا يتقرب به إليك قاله الخليل بن أحمد ، و النضر بن شميل، و إسحاق بن راهويه ، و يحيى بن معين، وأبو بكر بن خزيمة، و الأزهري، و غيرهم.
و الثاني حكاه الشيخ أبو حامد عن المزني وقاله غيره أيضا معناه لا يضاف إليك على انفراده ، لا يقال يا خالق القرده و الخنازير ، و يا رب الشر ، و نحو هذا ، و إن كان خالق كل شيء، ورب كل شيء، و حينئذ يدخل الشر في العموم.
و الثالث : معناه و الشر لا يصعد إليك إنما يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح. و الرابع : معناه و الشر ليس شرا بالنسبة إليك فإنك خلقته بحكمة بالغة ، و إنما هو شر بالنسبة إلى المخلوقين.

و الخامس : حكاه الخطابي أنه كقولك فلان إلى بني فلان إذا كان عداده فيهم أوصفوه إليهم. انتهى

ومهما كان المعنى المراد فلفظ الحبيب صلى الله عليه وسلم عذبٌ جميل كله أدب مع الله قال فيه إنّ خزائن كل شيء، خيره وشرها بيد الله وهو يسأله أن يعطيه من خيرها ويحفظه مما سوى ذلك، فصلى الله على هذا السيد العظيم الذي كان كل حقه نطق مقرر بأحلى بيان وأجلى فرقانٍ.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115