الشمائل المحمّدية: كذلك لِنُثبِّتَ به فُؤادَك

يقول الله تعالى في الذّكر الحكيم :«وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا».

ذَكَرَ الله سبحانهُ و تعالى في الآيةِ الكَريمةِ عُضْوًا مِنْ أَعْضاءِ سيّدنا مُحمّد وأَصْبَحَ قُرْآنا يُتْلى إلى يَوْم القيامة وهو الفُؤَاد.وجاءت الآية المذكورة رَدًّا على المُشْرِكينَ عندما قالوا لو أنّ القرآن أنزل على النّبيء جملة واحدة كما أنزلت التوراة على سيّدنا موسى , والإنجيل على سيّدنا عيسى والزبورعلى سيّدنا داود.رَدَّ عليهم الله سبحانهُ وتعالى بِقوْلِه لِسَيّدنا مُحمّد عليه الصّلاةُ والسّلامُ: «كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ». يعْنِي نُقَوِّي بِهِ قَـلْبَك بِتَــيْسيـرِالحِفْظ و فَهْمِ المَعنَى وَ ضَبْطِ الأحْكام والعَملِ بِهَا.والكُتُبُ السّابقةُ نزَّلها اللهُ على أنْبِياء وَمُـرْسَليـن يَكْتُبـونَ و يَقْرَؤُون, والقرآنُ الكَريمُ أنْزَلهُ تعالى على النَّبيءِ الأُمِّيّ. والتوراةُ نَزّلَها اللهُ دُفْعَةً واحِدَة فَشَقَّ العملُ بها علَى بَنِي إسْرائيل,أمّا القُرآن فنَزَّلَه اللهُ على سَيّدنا مُحمّد مدّة ثلاث وَعِشْرين سنة-مُدَّة الرِّسالة- مُنجَّمًا، أي الآيةَ والآيَتيْن على حَسْب الوقـائِع,وهــذه فضيلة خصّ بهـــــا الحقّ تبارك وتعالى سيّد الوجود عليه الصّلاةُ والسّلامُ لِكَي يَتخَلّق قلبُه بِخُلقِ القرآن ويَتَقَوّى بِنُورِهِ ويَتَغَذّى بِحَقائِقِه وعُلومِه.وهذه الفَوائِدُ لا تكونُ إلاّ معَ نُزولِ القُرآن مُنَجَّمًا .

جاء عن ابْن غنَم قال: «َزلَ جبريلُ على النّبيء فَشقَّ بَطْنَه ثمَّ قال جِبْرِيلُ قلبٌ وَكِيعٌ فيهِ أُذُنَانِ سميعتان وعيْنانِ بَصِيرَتانِ وأنْتَ مُحمّد رسول الله المُقَفِّي-يعني تبع الأنبياء قبله وهو خاتمهم- الحَاشِرُ-أي يُحشرُ النّاس على قَدَمِهِ أي يَقدُمَهُم و هم خَلفَهُ-خُلقُك قَيّمٌ-أي جامع لمكارم الأخلاق-ولسانُكَ صادقٌ ونفسُكَ مطمئنّةٌ»،وجاء عن عبد الله بن الشخّيـر «أتيتُ رسول الله وهو يصلِّي ولِجوْفِهِ أَزِيــزٌ كَأَزِيــزِ المَرْجَل» ،والمراد أنّــه لشِـدّةِ خشيَتِه من الله تُـسمَعُ حَرَكَــةُ قلبِهِ إذا رقّ صَدْرُهُ، وقــيل صوت الحنين مع البكاء، والمِرْجَلُ هو القِدْرُ.

وقال سيّدنا عوف بن مالك: «كنتُ مع النّبيء ليلةً فاستَاكَ ثمّ توضّأ ثمّ قامَ فَصلَّى فَقُمتُ معهُ في صلاة النّافلةِ في اللّيلِ، فابْتَدَأ بِسورَةِ البَقرَة فَلاَ يَمُرُّ بآيةِ رَحْمةٍ إلاّ وقفَ فسألَ الله الرّحمة , ولا يَمُرّ بآية عذابٍ إلاّ وَقفَ فَتَعوّذَ من اللهِ مِنَ العَذاب, ثمّ رَكعَ فَمَكثَ بِقدْر قيامهِ يقول: سُبْحان اللهِ ذِي الجَبَروتِ والمَلَكوتِ والعَظَمة, وكَرّرَ ذلك مِرَارًا كَثيرة ثمّ سجَدَ فقال مثل ذلك، ثمّ قَرَأ آلِ عِمْران ثمّ سورَةً سورة يفعل مثل ذلك مِنَ القِراءَةِ والتَّسْبيح»، ويُؤْخذُ من هذا أنّه يَنْبَغي لِمَنْ قَرأ القرآنَ أَنْ يَتَدَبّرَهُ و يَتفكّرَ في مَعَانِيهِ.

والإنسان عندما يَقْرأ القرآن يَتدَبّر عَظَمَته بِفُؤادِهِ، فَإذا ذكرَ الإيمانَ يقول: آمنتُ بالله, وإذا قَرأَ قوله تعالى:«فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ» ، يقول في قلبِهِ:الله ربّ العلمين. وإذا قرأ سورة التّينِ فَبلَغ « أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ « يقول في فؤادهِ: بَلَى وأنا على ذلك منَ الشّاهِدينَ, وَإذَا قَرَأ المُرْسَلات ووَصَلَ إلى قولِه: «فَبِأيِّ حَدِيثٍ بَعدهُ يُؤمِنونَ» يقول في قلبِهِ: آمَنَّا باللهِ وغير ذلك. وفؤادُ رسول الله مليءٌ بِالإيمانِ وبِمَحبّةِ الله تعالى و بمَحبَّة أُمّتِه، وهو المعنى بقوله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115