الباقيات الصالحات: رمضان وغرس القيم - 2 -

ومن القيم التي يغرسها الصيام في نفس المسلم قيمة الحلم، فالمسلم مطالب في رمضان وفي غيره من الشهور بالحلم والأناة،

وهما من الأمور المكتسبة ومن الصفات التي يحبها الله عز وجل، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما العلمُ بالتَّعلُّمِ، وإنما الحِلمُ بالتَّحلُّمِ، ومن يتحرَّ الخيرَ يُعطَهْ، ومن يتَّقِ الشرَّ يُوَقَّه». صحيح الجامع: 2328. وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه، قال: «قالَ النبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لأشجِّ عبدِ القيسِ إنَّ فيكَ لَخَصْلَتينِ يحبُّهُما اللَّهُ: الحِلمُ والأناةُ». صحيح مسلم: 18.

ومن القيم التي يغرسها الصيام في نفس المسلم السخاء والجود، والمسارعة في مساعدة المحتاجين، والقدوة في ذلك هو الرسول صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: «كان رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أجودَ الناسِ، وكان أجودَ ما يكون في رمضانَ حين يلقاه جبريلُ، وكان يلقاهُ في كل ليلةٍ من رمضانَ فيدارسُه القرآنَ، فلرسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أجودُ بالخيرِ من الريحِ المرسلةِ». صحيح البخاري: 6. 

ومن القيم التي يغرسها الصيام في نفس المسلم قيمة الرحمة والإنسانية، فشعور الإنسان بالجوع والعطش لساعات معدودة في اليوم مع توفر الطعام والشراب يذكره بالعطشى والجوعى الذين لا يجدون شربة ماء أو لقمة تقيم أودهم وتحفظ حياتهم، ويدفعه ذلك الشعور إلى مساعدتهم وتخفيف معاناتهم، وفي الصيام تجسيد لمعنى التكافل والتعاون، وتجسيد لمعنى الأخوة في الإنسانية والأخوة في الدين، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم، مَثلُ الجسدِ. إذا اشتكَى منه عضوٌ، تداعَى له سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى». صحيح مسلم: 2586. 
 ومن القيم التي يغرسها رمضان في نفس المسلم قيمة ضبط الوقت والمحافظة عليه، فالوقت هو الحياة وهو أثمن ما يملكه المرء، وفي ذلك يقول الشاعر: الوقتُ أنفسُ ما عنيتَ بحفظه وأراهُ أسهلَ ما عليكَ يضيعُ.

والصيام ينظم حياة الفرد المسلم، فوقت المسلم في رمضان مقسم بين العبادة والعمل والراحة، فعن وهب بن عبد الله رضي الله عنه، قال: «آخَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين سَلمانَ وأبي الدَّرداءِ، فزار سَلمانُ أبا الدَّرداءِ، فرأَى أمَّ الدَّرداءِ مُتَبَذِّلَةً، فقال لها: ما شأنُك؟ قالتْ: أخوك أبو الدَّرداءِ ليس له حاجةٌ في الدنيا. فجاء أبو الدَّرداءِ، فصنَع له طعامًا، فقال: كُلْ، قال: فإني صائمٌ، قال: ما أنا بآكِلٍ حتى تأكُلَ، قال: فأكَل، فلما كان الليلُ ذهَب أبو الدَّرداءِ يقومُ، قال: نَمْ، فنام، ثم ذهَب يقومُ، فقال: نَمْ، فلما كان من آخِرِ الليلِ، قال سَلمانُ: قُمِ الآنَ، فصلَّيا، فقال له سَلمانُ: إن لربِّك عليك حقًّا، ولنفْسِك عليك حقًّا، ولأهلِك عليك حقًّا، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فأتَى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فذكَر ذلك له، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: صدَق سَلمانُ». صحيح البخاري: 1968. 

وعناية المسلمين بشهر رمضان لا ينبغي أن تقتصر على أداء العبادات وقراءة القرآن، وينبغي أن يصاحب ذلك غرس القيم السامية التي تزكي النفس، وتنفع الناس، وتخدم المجتمع، وترتقي بالأمة، وحري بكل فرد وكل أسرة أن يضعا برنامجًا لتعزيز القيم الإسلامية في النفوس حتى نسعد في الدنيا ونفوز في الآخرة وننال رضا الله عز وجل.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115