إنما هي للأنبياء والملائكة ، قال : والجواب أنها في حق الأنبياء والملائكة واجبة، وفي حق غيرهم جائزة ، وسؤال الجائز جائز؛ إلا أن الأدب سؤال الحفظ في حقنا لا العصمة ، وقد يكون هذا هو المراد هنا . انتهى من تحفة الأحوذي .
وقد يراد من السلامة أن لا تبقى آثارها بالقلب بعد أن يجتني الانسان إثما من الآثام، لأن من شانها أن تدنس الباطن وتعكر صفو القلوب فالنبي يعلم أمته أن يحفظهم الله من الآثام ومما تسببه من ضعف في الإيمان وتجرئة على الرحمان.
وجاء في كتاب التيسير بشرح الجامع الصغير للإمام الحافظ زين الدين عبد الرؤوف المناوي : «وعزائم مغفرتك» مؤكداتها أو موجباتها يعني أسألك أعمالا بعزم تهب بها لى مغفرتك «والسلامة من كل إثم» يوجب عقابا أو عتابا أو نقص درجة «والغنيمة من كل برّ» «طاعة وخير».
وأما الفوز بالجنة فهو الغاية العليا التي يصبو اليها المِؤمن وقد وردت هذه العبارة في القرآن الكريم في 16 مرة غالبا ما كانت مقرونة بوصف العظيم. مثل قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وجاء أنَّ الفوز العظيم هو النجاة الوافرة يوم القيامة والظفر الذي لا ظفر وراءه.
و«النجاة من النار» والنجاة أيضا من مصطلحات القرآن ومبتكراته فقد وردت في القرآن مرة واحدة في سورة غافر «وَيا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُـمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّار»،
ووبما أن النبيَّ، صلَّى الله عليه وسلم، موعود بالفوز الأعظم والنجاة الكاملة كانَ ذلك تعليمًا لأمته حتى يدعوا بهذا الدعاء، وبحول الله ما دام الإنسان متّبعًا للسنة المطهرة، وعاملا بأقوال نبيه، كانَ أيضا من جملة الناجين.
وجاء في فضل هذا الدعاء فيما يرويه عَلَمُ الدِّينِ السَّخَاوِيُّ: رُوِيَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ رَحِمَهُ اللَّهُ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: «قَرَأْتُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِالْكُوفَةِ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا بَلَغْتُ الْحَوَامِيمَ, قَالَ : يَا زِرُّ بْنَ حُبَيْشٍ ، بَلَغْتَ عَرَائِسَ الْقُرْآنِ، فَلَمَّا بَلَغْتُ رَأْسَ الْعِشْرِينَ مِنْ حم عسق: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير» سورة الشورى آية 22، بَكَى حَتَّى ارْتَفَعَ نَحِيبُه، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: يَا زِرُّ، أَمِّنْ عَلَى دُعَائِي، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِخْبَاتَ الْمُخْبِتِينَ، وَإِخْلَاصَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمُرَافَقَةَ الْأَبْرَارِ، وَاسْتِحْقَاقَ حَقَائِقِ الْإِيمَانِ، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرّ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَوُجُوبَ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّار، ثُمَّ قَال: يَا زِرّ، إِذَا خَتَمْتَ فَادْعُ بِهَذِهِ الدَّعَوَاتِ، فَإِنَّ حَبِيبِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ : إِذَا خَتَمَ أَحَدُكُمُ الْقُرْآنَ ، فَلْيَقُلِ : اللَّهُمَّ آنِسْ بِهِ وَحْشَتِي فِي قَبْرِي», انْتَهَى مَا قَالَهُ أبَوُ الْحَسَنِ السَّخَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
ومن لطائف هذا الدعاء أنه قرآني في لفظه ومعناه وأنه مقتبسٌ من درره وغرره، فكل فقراته إشارة إلى آياته ومعانيه ولا عجب في ذلك فكل كلامه صلى الله عليه وسلم من القرآن ينبوعه.