وتتجلى أهميته في جمعه لمواضيع مختلفة ومتنوعة، من عبادات ومعاملات وعادات، كما يتضح ذلك من عنوانه، وقد ثبت عند أهل العلم أن التأليفَ في فن الجوامع من الخصوصيات التي تميزت به المدرسة المالكية عن باقي المدارس الفقهية المذهبية الأخرى، فكتب الجوامع عادة تأتي في آخر الدواوين الفقهية، وتشتمل مواضيع متنوعة، كالأخلاق والورع والعقائد والفرق وغيرها.
ويتضح من خلال عنوان الكتاب أن مؤلفه رام به تذييل مختصره على المدونة، كما صرح بذلك في آخر الجامع عندما قال: «قد ذكرنا في كتابنا هذا الكتاب الجامع الذي جعلناه آخر المختصر، بعض ما حُفِظ عن مالك وعن بعض أصحابه وغيرهم، وما روُي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمن ذكرنا من السلف وأئمتنا في الآداب والأمر والنهي وغير ذلك من الفنون التي جرت فيه».
وقد تضمن كتاب الجامع تسعة عشر باباً؛ أغلبها أبواب فقهية، باعتبار المعنى العام للفقه الذي يندرج تحته كل أنواع الآداب والمعاملات، كما اشتمل الكتاب على أبواب أخرى تناول فيها مواضيع مختلفة؛ كما في الباب الأول الذي تناول فيه العقيدة التي أرادها ابن أبي زيد صافية مستمدة من نصوص الوحي الإلهي، ويليه باب في السيرة النبوية وسيرة بعض الصحب الكرام، وباب آخر يتصل بفضل المدينة المنورة وتاريخها، وفي آخر أبوابه تناول فيه مواضيع تاريخية حول الهجرة والمغازي مرتبا ترتيباً زَمَنياً، ينتهي بِسَنَة انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وهكذا يكون ابن أبي زيد قد جمع في مصنفه هذا بين الغايتين: الغاية الفقهية الصرفة، والغاية التربوية، باعتماد منهج إصلاحي، وسيلته بيان الأحكام والتصريح بالآثار التي تدعمها.
ومما يؤكد قيمة هذا المصنف اعتماده من قبل ثلة من العلماء وتعويلهم عليه؛ فقد نقل عنه ابن الطلاع (ت497هـ) في «أقضية الرسول صلى الله عليه وسلم»، وابن الحاج (ت737هـ) في «المدخل»، والحطاب (ت954هـ) في «مواهب الجليل» وغيرهم.