دعاء ومعنى: اللهم إنِّي أسألك حبَّكَ - 2 -

وبعد ذلك عطفت الجملة بالواو وهي تفيد هنا الترتيب الرتبي لأنّ ما يكون بعد حبّ الله هو حبّ أهل الله من خاصة المسلمين الذين يحبون

الله ولا عجب أن يسأل النبي، صلَّى الله عليه وسلّمَ، حب من يحب الله وقد أثنى الله عليه في قوله «يحبهم ويحبونه» فموضوع الطلب أن يكون القلب عامرا بمحبة كل من اشتغل بمحبة الله فحب المحبين عبادة وقربى وطهارة للروح وتزكية لها، ولذلك طلبها النبي، صلَّى الله عليه وسلّمَ، لأنّها أيضا تقتضي التواضع لهم وخدمتهم وتعظيمهم. فكأن محبهم جامعة لكل أخلاق الخير والمودة والتآخي، ولأنها أيضا محبة خالصة لوجه الله لا يراد من ورائها جزاءٌ ولا شكورٌ. وهذا مصداق قوله، صلَّى الله عليه وسلّمَ :«ثلاث من كن فيه ذاق حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه ممن سواهما، وأن بحب المرء لا يحبه إلا لله...»

ثم يطلب المصطفى، صلَّى الله عليه وسلّمَ، من الله أن يعطف قلبه الشريف على كل عمل يبلّغ أي يوصل إلى محبة الله وهذا أيضا من لطائف الإشارات لأنّ شأن المحبّة الصادقة أن يتبعها عملٌ صالح يجسدّها ويؤكّدها وإلا صارت دعوى بلا برهان وصورة بلا مضمون حتى قال الشاعر الحكيم:

تعصى الله وأنت تظهر حبه إنّ هذا في قول لبديع
كما أنّ هذه العبارة تذكِّرُ بمفهوم التقوى «وَحاصلها امتثالٌ واجتنابٌ» كما قال علماء المالكية، أي طاعةٌ لله فيما يُحبّ من الأعمال الجالبة لرضاه وابتعادٌ عن كل عمل يغضبه ويبعد عنه. وفيه أيضا إشارةٌ ألطف وهي أنّ هناك من الأعمال ما يوصل إلى حبّ الله ومنها ما يوصل إلى ثوابه، وإن كان الفرق لطيفًا، فسؤال النبي أن يرشده الله تعالى إلى تلك الأعمال التي بها يحصل حبّ الله وهي مرتبة أعلى من أن يعمل الانسان لمجرد الثواب. وله نظيرٌ فيما جاء في الحديث القدسي : «مازال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل فأحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به....»

وفي القسم الثاني من الحديث يبتهل المصطفى، صلَّى الله عليه وسلّمَ، إلى خالقه أن يكون حب الله في قلبه أعظم من «حبّ نفسه وأهله والماء البارد» وفي هذا الكلام طلبٌ وضراعةٌ أن يكون الله أحبّ إليه من نفسه التي بين جَنبيه ومن أهله وولده ومن الماء البارد وهي كناية عن كلّ ملذّات الدنيا لأنَّ الماء البارد في الصحراء الحارة كان يُعَدُّ من علامات الترف والنعيم.
وخلاصة هذا الدعاء أن همّة الكاملين من الأنبياء والأولياء وعلى رأسهم تاجهم وأميرهم، صلَّى الله عليه وسلّمَ، متَّجهَة إلى محبّة الله فقط، مستغرَقَةٌ بالكلّية في العبادَة والتقرب. فَلَم تكن الدنيا أكبر همهم ولا مَبلَغ عملهم لأن المحبة الربانية هي سفينة النجاة وهي التي بها يكمل الإيمان كما جاء في الحديث :«لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه من سواهما».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115