بل عمِدَ إلى سمُوِّ الروح، ورُقِيِّ النفس وحفظِها، وتزكيةِ الجوارِح والصعود بها من الدَّرك المادي الطيني، إلى آفاق السمو الروحي، لينعم الصائم بصفات أهل البرِّ والإحسان
لذلك كان أول مقصِد من مقاصد صيام رمضان، هو تحقيق التقوى كما دل على ذلك قول ربنا جل وعلا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(البقرة: 183).
فالحكمة الأسمى من الصيام هو تحقيق تقوى الله وخشيتِه سبحانه ومراقبتِه في السر والعلانية، فالتقوى التي يحققها الصوم وينميها في الإنسان: هي المراقبة الدائمة لله سبحانه في السر والعلن والحذر من الوقوع فيما يُغضبه، والابتعادُ عن الانسياق وراء الشهوات والغرائز.
تقوى الله هي العاصم من كل شر وفساد وفتنة وسوء وضرر، هي الضمان لكل خير ومصلحة شريفة وغاية نبيلة وهدف منشود.
فليس المقصود الذي شُرع من أجله الصيام أن يُتعِب الإنسان نفسه ويُجهدها بامتناعه عن تناول بعض الملذات المباحة، وإنما المقصود الذي شُرع من أجله الصيام: تحقيق تقوى الله تعالى.
هذه التقوى والمراقبة، يجب أن تكون حاضرة مع المسلم أينما حل وارتحل في كل مكان وزمان.
مع نفسه، بأن يُلزمَها اتباع الحق، ويمنعَها من الظلم والبغي.
في بيته، مع زوجته، مع أولاده، يُجنبهم مواطنَ الهلاك.
مع جيرانه، في عمله في وظيفته في تجارته في أي مهنة يمتهنها، أو أيِّ مسؤولية يتحملها.
لذلك قال النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت».
ومن المقاصد التي يرمز إليها هذا الشهر الكريم، إحلال قيم التكافل الاجتماعي بين أبناء المجتمع، حتى يُدرك الأغنياء ما يعانيه إخوانهم الفقراء والمحرمون الذين يذوقون ويلاتَ الفقر ومرارةَ الحِرمان وألمَ الجوعِ في سائر الأوقات وطُول العام، فيوجب ذلك تنبيها للنفس وحَثّا لها على مواساتهم والإحسان إليهم.