صلَّى الله عليه وسلّمَ: «اللهم إنِّي أسألك حبَّكَ، وحبَّ مَن يحبَّكَ والعمل الذي يبلّغني حبك». اللهم اجعل حبّكَ أحبّ إليّ من نفسي وأهلي ومن الماء البارد».
هذا الكلام إخبارٌ من رسول الله، صلَّى الله عليه وسلّمَ، بدعاءٍ أجراه الله تعالى على لسان سيدنا دَاود عليه السلام ليدعوَ به. وقد صدر هذا الإخبار عن النبيّ، بوَحْيٍ من الله الذي أعلمه به وعَلَّمه إياه. وهو تعليمٌ ربَّانيٌّ، يَندرج ضمن الوحي غير المقروء، الذي لم يثبت في القرآن. وَرَغمَ أنَّ مرتبته دون كلام الله إعجازًا ونظما، ولكنه يعَدُّ من الوحي والتعليم الرباني، كما جاء في الآية « وعلّمك ما لم تَكن تَعلمُ».
وأما موضوع هذا العلم فهو دعاء ألهمه الله تعالى نبيَّه داوود. والظاهر أنّ الصيغة من وضع النبي، صلَّى الله عليه وسلّمَ، لأنَّ سيدنا داوود لا يتكلم العربية، وفيها نلاحظ البلاغة النبويّة العالية. وأمّا مضمون الدعاء الذي يبلغه النبي صلَّى الله عليه وسلّمَ إلى أصحابه وإلى من جاء بَعدهم ثمّ إلى سائر أمّته، فهو الحب في الله، فقد جاء فيه: «اللهم إنّي أسألك حبّك» فأوّل ما يطلبه النبيّ أن يهديه الله ويوفّقه إلى محبة الله، لأنّ حبّ الله لا يكون إلا بتوفيقٍ من الله وإرشادٍ منه، وتوجيه ربّاني للقلوب فهو الذي يُميلهَا إليه.
وفي الحقيقة لا يمكن لأحَدٍ أن يحبَّ الله إلا إذا سبقت له من الله المحبّة الله مصداقا لقول الله في سورة (المائدة، الآية 54) ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. فإذا شعر الإنسان بمحبة الله تصطلي في قلبه فَليَبشر لأنَّ الله تعالى هو الذي أكرمه بها.