آية: وجواهر هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ - 1 -

ذكر الله سبحانه وتعالى أن القرآن الكريم يمثل البصائر الخاصة التي أنزلها الله على المؤمنين من عباده فقال قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى

إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الأعراف:203)، فما معنى (بصائر)؟ وما هي حقائقها؟

تعريف البصائر: 
البصائر جمع بصيرة، وهي فعيلة بمعنى فَاعلة، والبصيرة مأخوذةٌ من البصر، وهو العين، فكأن صاحب البصائر قد بلغ من المعرفة العقلية، والنظر الفكري، والحكمة الثاقبة حداً يصل إلى درجة المشاهد المحسوس، فانظر إلى جمال هذا المصطلح القرآني (البصائر)، فإنه يغلب على الظن أنه من مبتكرات القرآن، وهو يبني نفوس بني الإنسان، ويمكن تلخيص أبرز

الحقائق التي نفهمها من هذه الكلمة القرآنية في الآتي:
الحقيقة الأولى: البصيرة تدل على المعرفة الراسخة التي تؤدي إلى التمييز بين الحق والباطل، والصواب والخطأ، والرشاد والغي:

وهذه المعرفة الراسخة تبنى على مصدرين أساسيين:

المصدر الأول: معرفة النصوص الشرعية معرفة واعية:
فكيف يكون مبصراً أو مفكراً أو منظراً أو قائداً من عشيت عينه عن النصوص الشرعية، أو لم يستطع عقله استيعابها، أو عمي فؤاده عن مراجعتها؟، وقد بين الله ذلك جلياً فِي قَوْله أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ (يُوسُف:108)، ولم يتركنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم هملاً عن إدراك خطورة هذه الحقيقة حيث قال -فيما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما»إن اللَّه لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» كما حذر صلى الله عليه وآله وسلم تحذيراً بليغاً من التافهين الذين يتصدرون للكلام في أمور العامة فروى ابن ماجه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال صلى الله عليه وآله وسلم: «سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة قيل: وما الرويبضة؟ قال: «الرجل التافه يتكلم في أمر العامة».

فأعظم مصدرٍ للبصيرة هي الشريعة المطهرة التي يشكل القرآن الكريم عمادها، ولا يمكن أن تسمى البصيرة بصيرةً مطلقاً إلا إذا كانت مستمدةً من شريعة الله النيرة كما قال ابن كثير: «وقَوله: «قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي» أي: على بصيرة من شريعة اللَّه التي أوحاها إلي»، والبصائر القرآنية تبني حياة الأمة، وتعيد لها مجدها، وتحقق لها الفلاح والانتصارات النهضوية؛ فالقرآن هو الذي تضمن البصائر المجيدة التي تحقق الانتصارات في المجالات الشخصية، والتحديات الحياتية الأسرية والمجتمعية، فمن أبصر الحياة من خلال هذه البصائر رجع ذلك بالنفع الحقيقي لنفسه، وكانت البصائر القرآنية مصدر سعادته وراحته وطمأنينته وأنسه، والله يبين ذلك بأجمل عبارةٍ فيقولقَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (الأنعام:104).

إنها البصائر: لا يمكن للأفراد الرؤية بدونها، ولا يمكن للأمة بدونها إدراك كيفية البناء، ولا تحديد ماهية الأعداء، ولا كيفية مواجهة الاعتداء، ولا التفوق في تحديات السلم والحرب والرخاء، أو الشدة والبأساء، فإذا لم تدرك الأمة بصائر القرآن سارت على عمى فسقطت في الـحُفَر، أو وقعت أسيرة المنعطفات والمنزلقات والمنحدر، ومن عَمِيَ عن حقائق البصائر يقع في الحفائر، وتتناوشه الآلام والمخاطر.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115