المركب الثقافي عمر السعيدي مسرحية «ستريبتيز» للمخرج علاء قحطان: المسرح طريق للخروج من مسارب الألـم

المسرح حركة متمردة، تعبيرة ثائرة ضدّ كل الصراعات والشقاقات و بلسم لدواء جراح الوطن الغائرة، المسرح مطية للنقد و الحلم معا وبالمسرح

تبنى الاحلام وتصنع تفاصيل ملاحم الجمال وعلى الخشبة تولد الافكار وتبنى لمعالجة الصراع الذي يعيشه ابناء الوطن الواحد.

هكذا هو المسرح في «ستريبتيز» لعلاء قحطان العمل الذي يرى ان للمسرح دوره في انقاذ الشعوب فالمسرح كما يقول قحطان: « أنقذني المسرح من جميع الآلام والمحن ، كان وما زال هو الطريق الأجمل للخروج من التفكير المرهق والرتابة اليومية، المسرح جعلني احترم نفسي قبل كل شيء، وهو الذي جعلني أنضج».

الخشبة...مجال للنقد والحلم
يعيشون الصراع ويعايشون الوجع، الوطن كما البيت ذي الجدران الاربعة بيت يعرف انشقاقات وانقسامات جميعها تؤثر سلبيا على المجموعة، بلغة الترميز نقد المخرج علاء قحطان ما تعيشه دولته العراق من انقسامات وانشقاقات وصراعات، على الرّكح خمسة ممثلين، جميعهم يشتركون في لباس شيء ما احمر اللون وللأحمر رمزية الاغراء تماشيا مع اسم العمل وله ايضا رمزية الدم كما تقول مشاهد العمل، الاب وهو رمز السلطة العليا و الابناء باختلافاتهم يرمزون الى الشعب، على الخشبة نقل للصراع اليومي وأحلام بسيطة بالخروج الى الشارع دون الاصطدام بالجثث او الاستماع الى اصوات اطلاق النار او استنشاق رائحة الموت بحركاتهم وصرخاتهم وبوحدة لغة الجسد مع السينوغرافيا نقلوا ونقدوا ما تعيشه بغداد من صراع.

صراع تنقله الخشبة صراع عائلة تختلف افكار أبنائها اب متواكل وجبان باع الوطن مقابل سلامة نفسه وعائلته، الابن الاكبر متطرف فكريا يميل الى الفكر الإخواني وتطبيق حد القتل و الشّرع، يريد ان يرهبه الجميع هو تصغير لصورة داعش في البصرة ودول عربية اخرى تصوير وتجسيم لفكر متطرف ينطلق منا و يسكن بيننا ومن ثمة يصبح كفيروس قاتل، الابن الاوسط احلامه بسيطة، خانع كرمز للمواطن المسالم غير المبالي بالآخرين ولا هواجس المجموعة فقط اناه اما اصغرهم فأنموذج عن الانسان المتمرد الصارخ الراغب في تجاوز كل معيقات السلطة و الحواجز ليشعر بإنسانيته، لازال يحلم في وطن سرقت احلامه وأجهضت امال ابنائه ومعهم فتاة هي اصغرهم انموذج عن المرأة في تلك المجتمعات وما تعانيه وسط كمّ هائل من القيود، اختلافاتهم صنع منها كاتب النص محمد راسم ملحمة اجتماعية مسرحية قدّمها ممثلون شباب يؤمنون ان الفعل المسرحي فعل نقدي متمرد.

صراع موجع هو تجسيد لوجيعة الوطن، فرقة بين الابناء والطوائف والأفكار المختلفة تؤثر على تماسك الوطن ووحدته، صراع الفكر والفكر الاخر نتيجته دماء تسيل من خلال مشهد فقإ الاخ الاكبر لعين أخيه الأوسط وأحلام توأد عبّرت عنها عملية ذبح الاخ الاصغر رمز الفكر المتمرد والرغبة الجامحة ورموز تطمس اسماؤها جسّدت في مشهد خنق الاب حتى الموت جميع هذه المشاهد هي محاولة لجمع بعض ما يعيشه العراق من صراعات وانشقاقات ودماء سببها رفض البعض للفكر الاخر والفكرة المختلفة، دماء سببها وجود الفكر الداعشي في اكثر من مكان في دولة العراق، داعش القتل و الدموية مع الصراع الطائفي تكون النتيجة وطن تغرق احلام ابنائه في بركة دماء.

الانثى...المقيدة بين العادات والدين
هي سيدة الوجع، هي سيدة الالم والامل، صانعة البهجة والاكثر ظلما بينهم، هي انموذج للمرأة وما تعانيه بسبب الاختلاف الفكري، هي الحالمة بابتسامة ترسمها على محياها، الحالمة بالرقص والغناء والبهجة لكن الحلم شيء والواقع شيء اخر، تحلم بالحرية لتجد الكثير من القيود، فالعادات تقيدها وترى ان مكانها الجدران الاربع وشريعة الفكر الاخواني تحصرها في خانة مظلمة وبين الظلمات تبحث عن نفسها تحاول اخراجها من تلك البوتقة، هكذا المرأة في عرض ستريبتيز تعيش على وقع تناقضات المجتمع وافكاره المتباينة.

داخل العائلة تتحمل وزر الاب وظلم الاخوة وقساوة العمل المنزلي وفي الوقت ذاته تتحمل فكر الاخ المتطرف الذي يرى وجودها عورة فكيف برقصها وغنائها وبين المتناقضات ترغب في كتابة حلم بسيط بالخروج من تلك الجدران.

الخشبة نقلت معاناة المرأة ووجيعتها، نقلت بؤسها امام الفكر الذي يراها عورة ويحصرها في خانة الاغراء و الظلمة، على الركح تقدم صورتان مختلفتان الاولى لامرأة ترقص مقبلة على الحياة حلمها ان تصبح فنانة تجد دعما من شقيقها الاوسط والثانية لامرأة مكبلة بقيود العادات يقيدها الاب وقيود الدين يطبقها الاخ الاكبر وبين هذه الافكار تتيه روحها ويختنق فكرها حدّ الانهيار.

على الخشبة محاولة لتجسيد الارهاق النفسي الذي تعيشه المرأة وتعرية لبؤس الفكر المتطرف فالاخ الذي يرى غناء شقيته عيبا هو نفسه يلبسها النقاب مع الحفاظ على كلّ الاغراء و«الستريبتيز» الاخر كدلالة على الفقر الفكري لمحبي الدماء والفقر المعرفي لمن يحصر المرأة في خانة الجنس والمتعة واللذة صورة يحاول المخرج تحطيمها على الركح باعطاء مشاهد الحياة والتحرر حيزا اكبر من مشاهد الموت والفناء.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115