الاحتفال باليوم العالمي للمسرح في مسرح الجهات بمدينة الثقافة: مسرحية «انتلجنسيا».. «كلّنا مشتركون في عملية الفساد بصمتنا»

المسرح صراع لاجل الحقيقة، المسرح فعل نقدي متمرد يتخذ النص وحركات الممثلين مطية لتعرية الواقع وكشف الفساد

و الدعوة الصريحة لمحاربته، المسرح التزام بالواجبات قبل الحقوق ودعوة صريحة للاصلاح والبناء هكذا هي مسرحية «انتلجنسيا» التي قدمت في مسرح الجهات بمدينة الثقافة في الاحتفال باليوم العالمي للمسرح.
«انتليجنسيا» اخراج نزار السعيدي ونص عبد الوهاب ملوح وساعده في الكتابة الجليدي العويني، وتمثیل جمال ساسي وآمال الكرّاي وعلاء الدين شويرف وانتصار العیساوي وفاطمة عبادة.. هي حركة نقدية ونص متمرد مشحون بعبارات الغضب ميزته حيز من الارتجال لمزيد النقد والدعوة إلى التغير.

السياسة بين الشعارات والواقع
في لحظة فارقة بين الموت والحياة تدور احداث المسرحية، بين غرفة الانعاش و البهو تكون القصة، في العمل الكثير من الرموز اذ اعتمد كاتب القصة الترميز كمطية للنقد، فالمستشفى في الحكاية هو الوطن، الوطن «سياسنو خايخة» ، الوطن المريض الوطن المنهك، و المريض «مجد» الذي حاول الانتحار هو شباب اليوم اليائس من حال البلاد والباحث عن حلول اخرى يجدها بعضهم في «الحرقة» و «اخرون في «الهروب عبر فعل محاولة الموت.

الترميز كان دليلهم للنقد فما يعيشه المستشفى في الخرافة من فساد ومن رشوة وتمييز و«المدير في اجتماع» و«نعتذر الستاجيار غلط» جميعها ملامح البلد وصراع الشخصيات المختارة هو صراع النخبة و السياسيين والمفكرين والحقوقيين فكلّ يريد ان يثبت انّه على حق وتلك هي المأساة في العمل والبلد.
عنوان المسرحية «انتلجنسيا» وجاء في القاموس أن أصل كلمة «Intellectuals» المشتقة من «Intellect» والتي استخدمت بمعنى مرادف لـ« Intelligence » وتعني الفكر والذكاء ، أو ملكة عقلية لاكتساب العلم والمعرفة وعلى هذا الأساس فالكلمتان «Intellectuals» و«Intelligentsia» مرادفتان لمعنى واحد هو المفكرون أو المبدعون في مجال الذهن والنشاطات المتعلقة به.

وانتلجنسيا هي محاولة لخلق وتنمية طليعة ثقافية عربيّة مبدعة وعضويّة فاعلة في محيطها الاجتماعي ، ساعية للانتشار بهدف تعميم ثقافة عربية متاصلة و لكنّها في الآن نفسه حداثيّة منفتحة كل الانفتاح على الاخر و على الثقافات الكونيّة و منجزها الفكري/ الثقافي / الابداعي، هذا هو التعريف الاصطلاحي لكنّه فقط على الورق والشعارات والحقيقة تكون عكس ذلك تماما وتلك هي اللعبة السياسية لتكون شخصية «الدكتور مصطفى» (جمال ساسي) هي الدليل على ذلك فهو استاذ جامعي متفتح يردد عبارة «الحرية» اكثر من «صباح الخير»، مؤمن بالكونية و الانفتاح والحداثة والحق في الاختيار لكن بمجرد ان اختارت شقيقته شخصا اقلّ منهم اجتماعيا ثارت ثائرته و اخرج كلمات «العيب، والشرف، اختي شرفي» فكلّ هذا التناقض في شخصية الدكتور مصطفى هو تقريبا وجه المنادين بالحريات ورفع الشعارات الكونية لكن كونيتهم «في بنات الناس، وليست في محيطهم العائلي»، نفس الشخصية يسمع ان خطأ طبيا حدث لابنه وعوض المطالبة بحقه يلتزم الصمت لان مدير المستشفى يعده بمساندته ليصبح عميدا فيختار مصلحته الشخصية على المصلحة الجماعية بصمته امام جريمة طبية، وهو تناقض اغلب السياسيين المنتمين الى اليسار التونسي مدّعي الحداثة في تونس.

في اطار سياسة التناقض عند اليمين أيضا نجد شخصية الممرض صلاح علاء الدين شويرف الملتزم بقواعد دينه الاسلامي «المغرب نخاف يفوتني» و«نقصو الحس نحفظ في جزء عم» وطابع الصلاة موسوم على جبينه، تلك الصورة الخارجية التي يستقبل بها الاخر لكنّه مرتش و«عين الادارة وأذن الوزارة ويد النقابة» جميعهم يحركونه خدمة لمصالحهم العليا ومقابل مصالحه مستعد لخوض كل تجارب الفساد وما الوجه الديني الا «ماعون صنعة» لجلب ثقة الآخر التركيبة العجيبة للشخصية ابدع في تجسيدها علاء الدين شويرف، في اختيار اللباس ايضا اختير له اللون الاحمر اللون المنفّر لون الدم و الغموض ايضا ليرمز الى فساده ودمويته في التعامل والتفكير ايضا.
في «انتلجنسيا» تنقل المسرحية حقيقة الشعارات والواقع، لتكشف انّ ما يشاهده الانسان في خطبهم وكلماتهم ودروسهم ايضا مجرد شعارات يرددونها ليكونوا لهم مساندين اكثرهم فقط يبحث عن مصالحه الشخصية وما دفاعه عن البلد الا مطية للوصول لمنصب ما، فالعمل يعري حقيقة النخبة حقيقة من يتاجرون بكل المشاعر خدمة لمصالحهم السياسية ومناصبهم.

المرأة التونسية.. الحرة دوما
انتلجنسيا عمل قام على التناقض عبر كشف حقيقة النخبة ولهاثها لاجل المناصب، وتعرية الشعرات الرنانة الزائفة امام الافعال، عمل كشف عن كذب اليمين و اليسار ايضا في خدمة البلد لكن المسرحية انصفت المرأة التونسية وابرزت انها قوية وحرة وشامخة من خلال الشخصيات النسائية الموجود.
فرملة اليسارية (امال الكراي)، التي تشبعت بأفكار شقيقها الثوري المنادي بالحرية كانت صادقة في تبني تلك الشعارات وطبقتها وتزوجت رجلا تحبه رغم رفض عائلتها ومقاطعتها لها، رملة كانت صاحبة شخصية قوية وأفكار لم تتزعزع ولم تتغير حاربت من أجلها وهجرت البلد فقط للحفاظ على مبادئها التي لم تغيرها حتّى بعد أن فجّر ابنها نفسه.
وهندة (انتصار عويساوي) الحقوقية الشرسة التي تجاوزت سلطة الزوج وجبروت السياسة واختارت الدفاع عن حقوق الانسان ان تكون صوت المستضعفين رغم رفض زوجها وممانعته.

نادين (فاطمة عبادة) طالبة في الطب، لها شخصية قوية ولها سرعة البديهة وهي انموذج عن الشباب المندفع الحالم بالتغيير، تتوجه الى الجمهور مباشرة بخطاب موجع تدعوه فيه الى النهوض «فخوفكم يصنع الدكتاتور، خوفكم من قول لا يعطيهم السلطة ليتجبروا» خطاب تدعو معه الى التمرد الى الرفض الى التهديم لإعادة البناء.
الشخصيات النسائية في العمل كانت عنوانا للأمل عنوانا لقوة الارادة وجه الأمل في صفحات سوداء، كنّ مطية المخرج للتعبير عن احلامه بالأفضل ورغبته في التجديد والبناء من خلال شخصياته النسائية، كنّ صوت كاتب النص المتمرد في دعوتهن للتحرر، الشخصيات النسائية تماهت كلماتها مع السينوغرافيا المتجددة التي اعتمدها نزار السعيدي كتعبيرة عن فتح صفحات امل بيضاء وسط سواد وفساد يحيط بنا من كل الجوانب، فالبلد المريض أبناؤه الصادقون هم وحدهم من يستطيعون مداواة جراحه وامام كلّ الفساد المستشري يمكننا الكنس يمكننا المقاومة فتونس لأبنائها جميعا وليست حكرا على السياسيين.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115