مسرحية «وحش الممالك» لمحسن الأدب في المركز الوطني لفنّ العرائس: مسرح الطفل رسالة تعليمية وفنية

ساحرة هي عوالم الطفولة، مبهر المجال الذي يرحل اليه خيال الطفل وعجيب هو العالم الذي يشكله ويصنعه

ولانّ للطفل ذكاء خارق وله قدرة عجيبة على البناء ومجال واسع ليحلم وينشئ ويشخّص جاء مسرح الطفل ليكون رافدا اساسيا لهذا الإبداع مسرح الطفل الحقيقي الذي يحترم عقل الطفل و يقابله بكلّ تجليات الابداع.

رحلة مسرحية ممتعة ومختلفة، رحلة ميزتها الجمع بين الخيال والواقع، حوار شيّق يحمل الطفل المتفرج الى عوالم تحت الارض ليعايش لساعة من الزمن حكايات خمس ممالك للحشرات في مسرحية «وحش الممالك» للمخرج محسن الادب وتمثيل الرائعات الثلاثة ايمان العظيمي وسوسن الذوادي وهاجر قديدة وسينوغرافيا وصنع الدمى ايمان العظيمي واضاءة رياض التوتي وموسيقى للطفي معاوية وانتاج شركة «الحب المجنون».

وحش الممالك: مسرحية ناقدة تحترم عقل الطفل
رحلة ممتعة ومميزة تكون مطيتها الموسيقى اوّلا، ثلاث ممثلات يلبسن الاسود مع حزام احمر ويحمل «بندير» ويضربن فتصدر نوتات موسيقية جميلة، موسيقى كانها الاعلان عن بداية الحكاية موسيقى كتلك التي يصدرها الحكواتي قبل انطلاق حكايته وفي «وحش الممالك» يكون العمل حكاية تقدمها ثلاث ممثلات مبدعات كنّ ساحرات على ركح المركز الوطني لفنّ العرائس.

عنوان المسرحية هو «وحش الممالك» ومنذ العنوان يخبر المخرج جمهوره من الاطفال ان القصة تتعلق بوحش الممالك، فعقدة الحكاية اذن الوحش الغريب عن الممالك الخمسة، فمن هو الوحش؟ ما الذي يريده من سكان الممالك الخمسة؟ وهل سيجدون الحل لمواجهته؟

على الركح مربع صغير عبارة عن مجسّم لحقل عبّاد الشمس، واضحة المعالم دقيقة الصنع، المحركات الثلاثة يعرفن بأنفسهنّ، ايمان وهاجر وسوسن، ويدعين الاطفال إلى مصاحبتهن في حكايتهن في الحقل، منذ البداية يكون الطفل امام حوار تفاعلي بين المحركات والدمى، عمل في اطار التجديد التي يتبعه محسن الادب في اعماله عبر تجديد علاقة الطفل بالدمية من جهة وإدخال الممثل بجسده وحركته في حوار تفاعلي مع الطفل والدمية معا ليكون جزءا من المشهد المسرحي ولا يكتفي بالاختباء خلف الدمية وتحريكها.

حكاية المسرحية تبدو بسيطة لكنّها جد عميقة فهي تحمل الطفل الى ممالك الحشرات، مملكة «حشرة المن» التي تتغذى من النسغ اللذيذ لأوراق الشجرة، ومملكة النملات العاملات، ومملكة دودة الارض اما فوق الارض فعالم الفراشات والنحل ومعها فأر الحقول جميعها تعيش في حقل عبّاد الشمس وتعمل بجدّ مع ادخال جانب هزلي في الحكاية فهناك نملة كسولة ودودة لا تريد العمل وحشرة المنّ التي ترفض العودة الى الشجرة وترغب بالبقاء على جيد المحركة، جميعها تحرسها «الفزاعة» أو وحش الممالك كما يسمّونه، يعملون ويعيشون في هدوء وذات يوم يمرّ الفأر صارخا «هناك عدو، هناك خطر» مع هذه الكلمة تحدث الجلبة ويسمع صوت مخيف وتتحد الحشرات لإيجاد خطة لإنقاذ أنفسها من الوحش المجهول وبعد تفكير تقترح أن تنخر الدودة ساق «الفزاعة» وحين يأتي الوحش يسقطونها فوقه فكان ذلك واسقطت الفزاعة ليعود الفأر مرة اخرى ويخبرهم انّ الوحش مجرد وهم والوحش الحقيقي للحشرات هي العصافير التي تتغذى بهم، حينها تحث الفاجعة وتنخر العصافير الحقل وتدمّره فالرسالة هنا هي «اعرف عدوّك قبل اتخاذ القرار او وسيلة الدفاع» ولان العمل موجه للطفل يرسلون شيفرات للبناء فتساعد المحرّكة النملة لإعادة الوحش واقفا وبعدها تعود الحياة الى الحقل، فالمسرحية ناقدة وفي الوقت ذاته تجمع تقنيات اللعب الدرامي المختلفة مع حبكة مميزة تحترم عقل الطفل من خلال سلاسة النص و سحر الاداء والتشويق.

السينوغرافيا عنوان للاختلاف والنجاح
وحش الممالك مسرحية موجهة للاطفال، مسرحية تبهر انظار المتفرج من خلال السينوغرافيا المقدمة، فإيمان العظيمي ابدعت في صناعة الدمى كذلك الممثلات ابدعن في تقمص الشخصيات و تحريك الدمى والتفاعل في حوار مباشر مع الأطفال الرحلة الى ممالك الحشرات بدت جميلة مع التركيز على نقل الجزئيات والتفاصيل لإقناع الطفل المتفرّج فالسينوغرافيا علم وفنّ يهتم بتأثيث الخشبة وهو هندسة الفضاء المسرحي بتوفير الانسجام التام بين ما هو سمعي عبر موسيقى اشرف عليها لطفي معاوية وطريقة اداء النص صوتيا و ما هو بصري من خلال تميّز رياض التوتي في الضوء ولعبة تماهي الضوء مع الموسيقى وماهو حركي اي حركات الممثلات وطريقة تحريك الدمى ليجد المشاهد نفسه امام مجموعة من العلوم اتحدت في فضاء درامي واحد هو المسرح اذ تماهى التشكيلي مع الماكياج و التمثيل والفوتوغرافيا لصناعة ملحمة مسرحية تمتع الطفل المشاهد وتدفعه إلى مزيد الخيال خاصة عند نزول الممثلات الى القاعة يحملن النحلات التي تبحث عن الزهور والوانها المختلفة وتشريك الطفل في العملية الابداعية جزء من عملية ابهاره.

فالسينوغرافــيا كـما يعرفها جميل حمداوي «هي عملية تطويع لحركة فن العمارة والمناظر والأزياء والماكياج والإضاءة والألوان والسمعيات، كما دخلت على تشكيلات جسد الممثل. وهي تعمل أساسا على فن التنسيق التشكيلي وتناغم العلاقات السمعية البصرية بين أجزاء العمل المسرحي «وجميع هذه المعطيات وجدت في مسرحية وحش الممالك كأنها تقدم درسا في مسرح الطفل ودرسا للطفل بخصوص الحشرات وكيف تعيش فالعمل يقدّم المعلومة لمتلق ذكي هو الطفل.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115