على غرار كيف يفكر الطيور؟ هل عالم الطيور يختلف كثيرا عن عوالم البشر؟ هل لها هواجس كما التي نعايشها؟ وهل للطيور مواثيق و اهداف مثلنا نحن البشر؟ وللإجابة عن هذه الاسئلة التي قد تخامر اذهان الاطفال تحملهم فضيلة عكاشة وثلة من الممثلين الى عوالم الطير و تحاول الاقتراب منهم ومن حكاياهم لينقلها ممثلون ابدعوا في تجسيد شخصيات الطيور باختلافاتها في عمل مسرحي اسمه «الفينيكس».
هو اولى انتاجات مركز الفنون الركحية والدرامية بالمهدية و«الفينيكس» هو عمل مقتبس عن «منطق الطير» لفريد الدين العطار وفي اقتباس لعادل الدلاجي واخراج لفضيلة بن عكاشة واداء لمحمد قريع ونهى المكشر وامال البكوري ونزار بن خضرة وعادل الدلاجي والهادي الصيود وهو عمل موجه للأطفال والناشئة
انسجام الموسيقى والضوء متعة بصرية وفنية
موسيقى ممتعة، نوتات تتماهى مع اصوات الطيور اثناء زقزقتها وغنائها، عالم هلامي ميزته الوان تمتع العين وتسحر عقل الطفل و تجعله يقبل على الصمت لمشاهدة الحكاية، الموسيقى في العمل المسرحي ليست اعتباطا وفي مسرحية «الفينيكس» احسن السينوغراف فتحي النخيلي والمخرجة فضيلة عكاشة توظيفها خدمة لإيقاع المسرحية وتناسق اجزائها فكان التماهي بين الموسيقى و الضوء ونسق القصة المقدمة على الرّكح.
الفواصل الموسيقية تكون بمثابة الحد الفاصل بين مشهد واخر، نوتات راقصة حينا يتفاعل معها الجمهور وتشويقية احيانا اخرى للتنبيه من المشهد المقبل و فيها جانب من الغموض أحيانا فيتساءل الطفل عن الحدث وعقدة العمل لتكون موسيقى الفينيكس الممعتة من اسباب قوة العمل، فالموسيقى من عناصر السينوغرافيا التي حرصت المخرجة على توفرها في اول
انتاجات مركز الفنون الركحية والدرامية بالمهدية، كما ان العمل موجه للطفل و السينوغرافيا جزء مهم في المشهدية البصرية الموجهة للطفل لايصال رسائل العمل.
الموسيقى بكل اختلافاتها كانت تعبيرة عن سيرورة الاحداث وتصارعها مع الضوء بالوانه وتدرجاته كانه محاكاة لمقولة توفستونوكوف «إذا تصورنا أن الفن المسرحي هو أوركسترا سمفونية ، فأن الموسيقى هي آلة من الآلات العرض المسرحي . وعليه يجب ان ترتبط الموسيقى مع جميع الأدوات المعروفة للعرض من اجل التكامل الفني في العرض المسرحي . وهو يعني أيضا ، أن الموسيقى في المسرح جزء من الكل لا يمكن أن تجلب الاستحسان بمعزل عن بقية العناصر المسرحية وان انسجام الأداء مع الموسيقى أمر ضروري . وعندما يتوجب وجود الموسيقى في المسرحية فعلينا أن نجد لها المكان الملائم».
وفي «الفينيكس» كانت السينوغرافيا بكل اجزائها في المكان المناسب تتماهى مع الحدث وليست نشازا لملء الفراغ الفرجوي.
دعوة الى الاختلاف وتشجيع على التفكير
اختلفت الألوان تباينت الحركات على الركح، الى عوالم الطير تكون الرحلة المسرحية، رحلة تحمل الطفل المتفرج الى عوالم كتاب «منطق الطيق» لفريد الدين العطار النيسابوري منه اقتبس العمل مع اضافات تقتضيها القصة و الظرفية والزمانية كذلك الواقع السياسي والاجتماعي فللمسرح دوره في تنشئة الطفل المواطن.
في المسرحية يلتقي الطفل مع الهدهد بألوانه البنية المتدرجة الطموح باكتشاف مكان الطائر الاكمل الذي يضيء بريشته كل العالم «الفينيق» و«الببغاء» بألوان الوردية الحالمة بعودة الشباب الى وجهها، والبطة الشابة الخضراء والبومة رمادية اللون الباحثة عن تجميع الكنوز دائما، و الصقر وميزته تدرجات اللون البني الداكن جليس الملوك ونظيرهم والبلبل المشى بكل الالوان الجميلة، البلبل الحالم عاشق الوردة الحمراء الراغب في بعث الحياة فيها كي لا تذبل، اختلاف الالوان ليس اعتباطا فلكل لون حكاية ولكل لون تأثير على الشخصية فالبني يعطي الشخصية صفة حب الاطلاع والبحث والوردي لون الشباب الدائم وحب الحياة كما الببغاء والبني الداكن يرمز الى اعتقاد القوة وادعاء ملكها والرمادي يضفي الكثير من الغموض على صاحبها، الاخضر لون للربيع الذي لا يدوم اما الوان الزاهية التي ميزت البلبل فتعطي صاحبها الكثير من الطاقة والحب، وما يحسب للمسرحية هو اتقان صنع الملابس والاقنعة مع دقة الممثلين في الحركة ليبدون وكأنهم طيور حقيقية، ممثلون ابدعوا في عرضهم الاول فهم اتقنوا أداء الشخصيات وكل منهم تمكّن من القناع الذي يلبسه مع استعمال الكوميديا احيانا للتهوئة والانقاص من ثقل الكلمات والشيفرات.
الشخصيات على الركح جميعها تبحث عن ملك موجود في اعلى الجبل، بريقه ساحر وحده له القدرة ان يكون ملكا للطيور، الهدهد يقنع الطيور بضرورة السفر اليه لملاقاته والاستمتاع بنوره، ويحثهم على الرحلة رغم صعوبتها، تختلف الطيور بخصوص الرحلة بعضها موافق واخر متردد، وبين الرغبة وعدمها تكون كلمات الهدهد التشجيعية كما البسلم، تختلف رغبتهم في خوض الرحلة لكل هدف ما لكن جميع الاهداف طريق تحقيقها واحد هو السفر، عمل يوجه رسالة الى الاطفال مفادها ان الاختلاف ضروري فلا يمكن ان نتشابه جميعنا وفي الاختلاف قوة أيضا.
تقرر الطيور السفر وكان بالممثلين يدعون الاطفال ليغامروا ولا يهابوا المجهول يدعونهم بسلاسة لتجاوز الموجود والبحث عن المجهول واكتشاف الاسرار دون رهبة او خوف فعلى هذه الارض ما يستحق البحث والاكتشاف، تسافر الطيور وبعد رحلة متعبة وبعد ان تنهك القوى يخبرها الهدهد ان «الفينيق» فكرة، هو انعكاس لها كل يراه كما يريد ويدعوها إلى التخلص من القيود والافكار المسبقة ليستطيع العيش دون ضغوطات او قيود تقيد العقل وتحدها عن التفكير وتلك رسالة المسرحية.
مركز الفنون الركحية.. ولد الفضاء كبيرا
«الفينيكس» هو او اعمال مركز الفنون الركحية والدرامية بالمهدية وهو عمل موجه إلى الاطفال ، وقد سبق للمركز تنظيم مهرجان للمسرح بعيد تأسيسه بأيام قليلة و يستعدّ المركز لإنتاج ثاني عمل في مسيرته وهو عرض مسرحي بعنوان «حكاية تنساك» عمل مسرحي موجه للكهول وعن نص لرضا بو قديدة يهتم بموضوع الخصوصية المحلية للمهدية انطلاقا من عالم البحر إلى جانب هذا تشتغل هذه المؤسسة على اعداد عرض غنائي بعنوان»السفينة» وهو عمل يوثّق وبطريقة فنية لخصوصيات الموروث الصوفي لجهة المهدية وفي اخراج لمحمد الحجاج ليكون هذا العمل العرض جاهزا بمناسبة تونس عاصمة للثقافة الإسلامية كما سيشارك به المركز في المهرجانات الصيفية وفي مهرجان ليالي المهدية كما يستعد مركز الفنون الدرامية والركحية بالمهدية إلى تنظيم فعاليات الدورة الثانية من مهرجان البحر الأبيض المتوسط من 25 الى 31 اوت القادم حيث تكتسي فضاءاته حلّة جديدة إثر ترميمه والاهتمام ببنيته التحتية وبتجهيزاته بدعم من المجلس الجهوي بالمهدية بما قيمته 60 الف دينار ستمكّنه من العمل في ظروف جيّدة والاشتغال على انتاجات وتظاهرات جديدة وذات صلة باختصاصه في عالم الفن الرابع.