غلاء الاسعار وما يخلفه من خوف و ظلم وصراع للبقاء هي المحاور الأساسية للمسرحية الناقدة «ماخلصناش مانخلصوش» من أداء سماح التوكابري وطلال أيوب وعمار اللطيفي وضحى العوني وحمودة بن حسين ودراماتورجيا غسان حفصية وإخراج محمد علي القلعي.
مسرحية تجمع بين السخرية والنقد معا، عمل يبدو كوميديا مضحكا لكنه يكشف واقعا تراجيديا مبكيا يكشف عن مدى بؤس الدولة في تعاملها مع المواطن وسخائها مع نهم رأس المال.
«ماخلصناش ما نخلصوش» مسرحية اجتماعية تتناول الراهن التونسي بالكثير من الطرافة والسخرية في آن واحد، موضوعها «غلاء المعيشة» وأبطالها تونسيون من الطبقة المتوسطية التي انهارت قدراتها الشرائية في السنوات الأخيرة.
عاملات تختنقن بارتفاع الأسعار، قبالة ضعف الأجر والمقدرة الشرائية، يعتصمن وتحدث الفوضى حينها يسرقن أو «يأخذن» ما تحتاجهن من مواد أساسية مثل «المقرونة» التي أصبح سعرها 40 دينار و«الدقيق» وسعره مئات الدنانير و«الخضرة».. مواد اساسية حياتية في المسرحية تعجز الاسرالمتوسطة عن توفيرها.
«وامام شخصيات كاريكاتورية يضعك كاتب النص قبالة «صلوحة» (سماح التوكابري)التي تعود إلى منزلها سعيدة بالأكياس التي استولت عليها، تواجه زوجها «توفيق» النقابي المناضل الذي مازال يؤمن بقيم العدالة واحترام القانون. وهذه القيم تورطها في مأزق كبير مع الدولة، توفيق النقابي رغم البؤس وشظف العيش يواصل الدفاع المستميت عن الواجب متناسيا حقوقه إلى حد أنه يجد نفسه وصديق دربه امام قرار هدم العمارة التي يسكنونها لتتحول الى فضاء تجاري، الشخصية تعيش صراعا بين الحق والواجب بين الشعارات والحقيقة «سكيزوفرينيا» يبدع في تجسيدها الممثل «طلال ايوب».
الشخصية الأخرى هي الأمني الحائر أيضا بين أداء لواجبه المهني في القبض على المشاغبين وانحيازه الداخلي اليهم لانه منهم عاجز ايضا عن توفير أبسط المواد الاساسية للعيش «اللحم، حلمة ولات منامة» شخصية الأمني جسدها حمودة بن حسين بكل حرفية وهو الذي لعب اكثر من شخصية في المسرحية «الأمني النقابي» و«الأمني غير النقابي الظالم» و «الشيخ العجوز مريض الزهايمر» ثلاث شخصيات مركبة لكل منها اليات للاداء وطريقة للصوت والحركة اتقنها حمودة بن حسين الذي جمع الكوميدي بالتراجيدي.
مسرحية «ماخلصناش ما نخلصوش» دراما اجتماعية تخفف من حدة التراجيديا في فصولها بطابع السخرية فيها وبآداء متقن لأبطالها، ينقدون الواقع بكل وجيعة مغلفة بالضحك، يصرون على مقاومة جبروت الدولة في تعاملها مع المواطن واستسهالها لسرقات رؤوس الاموال، عمل ينبه من غلاء المعيشة وسلبيته على المواطن والدولة عمل نقدي يستحضر الواقع و يحذر من خطورة المستقبل في صورة تواصل انهيار الدينار وغلاء الاسعار بتلك الطريقة المجحفة، عمل فني مميز يؤكد ان العمل المسرحي رسالة هادفة وفعل نقدي بامتياز.