أشكر آساتذتي الأجلاّء وأصدقائي الأعزّاء على ما رصدوه لي من التأييد وما أوسعوه لي من التعاون على كلّ التكاليف،وإن كنتُ صائنا أسماءَهم عن الذكر، فإنني مُطْلِقٌ ذكرَهم في القول والفعل، ولن أقصّر، ما لم يقصّر بي العمر، في أن أوفّي بالديْن وأن أرعى الذِمَم...أشكر لكم كلّ طريقة في التعبير عن التشجيع والإحساس الجميل النبيل بمناسبة نجاحي في شهادة الدكتوراه بملاحظة الشرف العليا».
بهذه الكلمات الرقيقة وببلاغة فصيحة توجّه الدكتور وليد الزيدي بعبارات الشكر لكل من ساند تحديه للبصر ليرفع التحدّي العلمي ويحرز -كأول كفيف تونسي- على رسالة الدكتوراه آواخر شهر جانفي الماضي من كلية الآداب والفنون و الإنسانيات بمنوبة في هذا الزمن الذي يشهد انتكاسة -وللأسف- للعلم وللنهل من مشاربه متحديا فقدان البصر ببصيرته بلوغا لأعلى مراتب الشرف العلمي والآكاديمي.
بداية تحدّي الدكتور وليد الزيدي في مدارج العلم وهو المولود في 30 أفريل 1986 في تاجروين بولاية الكاف وقد تعرّض لإصابة فقدان البصر بعد عامين من مولده كانت بداية دراسته في معهد «النور» للمكفوفين ببئر القصعة والذي درس فيه بداية من 1993 غير أن والده قرّر مغادرته لمقاعد الدراسة مراعاة لوضعه الصحي وتعاطفا معه، والده لم يدّخر جهدا في مداواته حتى في سويسرا من صعوبة التأقلم مع المحيط الدراسي إلاّ أن القيم العام للمعهد آنذاك أصرّ على مواصلة وليد لدراسته التي حقق خلالها النجاح والتميّز لينتقل الى معهد الكفيف بسوسة حيث أكمل دراسته الإعدادية والثانوية من 2000 الى 2006 وتوّجت هذه المرحلة بحصوله وبامتياز على الباكالوريا ليتحوّل للدراسة الجامعية بالمعهد التحضيري للدراسات الأدبية والعلوم الإنسانية بالقرجاني من 2006الى 2008 ثم مواصلة الدراسة بدار المعلمين العليا بتونس من 2008 إلى 2011 والتي توّجت بحصوله على شهادة التبريز في اللغة العربية كأول كفيف يحصل على التبريز على المستوى الوطني والعربي والافريقي ليدرّس إثر ذلك كأستاذ مبرز ملحق الترجمة والبلاغة بكلية الآداب والفنون والإنسانيّات بمنوبة وكباحث متخصص في العلوم البلاغيّة والتداوليّة وباحث أيضا في علم نفس الإعاقة وهناك أحرز على الدكتوراه في البلاغة بتأطير من الروائي الدكتور شكري المبخوت وضمن لجنة نقاش أشرف على رئاستها الدكتور محمد صلاح الدين الشريف وكان مقرراها الدكتوران عبد السلام العيساوي وبسمة بلحاج رحومة الشكيلي وبعضوية الدكتور منصف عاشور وبتتويج بملاحظة مشرّف جدا.
جاءت رسالة الدكتوراه تحت عنوان « وظائف التقديم والتأخير في تأويل القول» وهي عمل يتنزّل حسب الدكتور وليد الزيدي «في البلاغة القديمة ويبحث ما يتمخض له أسلوب التقديم والتأخير من وظائف ينجَع بها القولُ وتتأدّى من طريقها أغراضُهُ ولقد كان الرهان هو البحث في شجاعة العربيّة وأصالتها وما يخوّلها قوّةً وثباتا في عصر هو عصر الحروب بين اللغات».
واعتبر الدكتور وليد الزيدي ان مبحثه هذا والذي نعتبره انجازا غير مسبوق في تاريخ تونس قد مكّنه من متاع فكريّ إتّسع له مقامٌ علميٌّ بهيج شاكرا من خلاله كل من أسدى له العون وصنع معه من المعروف ما «لن نعقّه ولن نوفّيَه حقَّه من الشكر والعرفان... فالشكر لله مذخور ولأهل الفضل مكسوب» على حدّ قوله:
وبهذا تكون الجامعة التونسية وكما جاء في الصفحة الرسمية لكلية الآداب والفنون والانسانيات بمنوبة قد احتفت بولادة ما اعتبرته «طه حسين تونسي» لتضيف «وهو ما من شأنه أن يحفّز جامعاتنا التونسية أن ترى بعيون أعمق وأبصر مستقبلها الآتي».
ويحسب للدكتور وليد الزيدي فأنه أول مكفوف يناقش أطروحة الدكتوراه في تونس في حين ناقش آخرون أطروحاتهم في جامعة السوربون وفي جامعات أوروبية إذ لم تثنه الصعوبات التي واجهته في مسيرة البحث الجامعي على غرار المراجع التي إحتاج إلى من يقرؤها له خلال مختلف مراحل دراسته بسبب فقدان نور بصره للوصول إلى هدفه وتحقيق حلمه ليكون بذلك مثالا يحتذى به في الاجتهاد والمثابرة والإرادة و التشبث بالطموح رغم كل المعيقات حيث كان يعمل وفق مبدإ «لولا الدرجة السفلى لما بلغنا الدرجة العليا لكلّ مرتقاه».
جدير بالذكر أن الدكتور وليد الزيدي يتمتّع بمواهب ابداعية متنوّعة فهو شاعر وعازف متميّز على آلة العود وهو حاليا يشرف على تنشيط «نادي الرؤى الأدبية»بدار الثقافة بتاجروين والمخصّص لصقل المواهب الادبية الشابة من المنطقة إلى جانب نشاطه المتنوّع في مجال الإعلام الثقافي إذ ينتج وينشّط حاليا حصة أدبية بإذاعة الكاف.
ويذكر أن المبدعين تفاعلوا مع هذا الحدث العلمي المتميّز فتنوّعت تفاعلاتهم خاصة على شبكات التواصل الاجتماعية حيث اعتبروه يمثّل الإنسان في أنقى صوره وأرقى أبعاده وهو في نظرهم مبصر يرى بإحساس صادق ونقيّ وقلب سليم وفكر عميق وهو على حدّ عبارة الكثير منهم» يريك ما لا تراه ويقودك إلى الخير والسّعادة»وهو «قدوة يقتدى بها ونورا يهدي إلى الخير والحب «خاصة وأن الدكتور أكّد أن مبدأه في هذه الحياة العمل بحكمة أحد الشعراء» لولا مواهب في الأنام لما... تفاوت الناسُ في الأقدار والقِيَمِ».
يذكر أن أحد المدوّنين وهو الشاعر منجي قلفاط تفاعل شعرا مع الحدث ليهدي نصا جميلا للدكتور وليد الزيدي جاء تحت عنوان «صبر وظفر» قال فيه:
«وطّن على محن الأيّام تنتصرُ
لا يبلغ المجدَ من بالغير مقتدرُ
والمرء إن لم ينلْ من عزمه خطرٌ
زاد الفتى جلدا فالضرُّ مندثرُ
كالبدر إذ زاد ليلٌ حسنَ طلعته
ضعفا فرام إلى عليائه النظرُ
اِعرفْ وليدا تُصبْ من ذاته دررا
وفي مخالطة الأشراف مُعتبَرُ
في طبعه السبق والتبريز في شُعَب
لم يرقَها أحد قد خانه البصرُ
سرّ الفصاحة يدريه فما أحدٌ
سواه يُبديه في عصر به خوَرُ
بديه قولِ فما ينتابه زللٌ
والقوم قد عزفوا لحنا إذا هذروا
لحنا ركيكا يريك الضّاد تنتحبُ
حتّى المسامع تبكي حظُّها كدِرُ
كم كنتُ أصبو إلى قول تجود به
يحيي الفؤاد وتغدو الضّادُ تفتخرُ
فوزا هنيئا أدام الله بهجته
دامت حياتُك نصرا بعده ظفَرُ
دع عنك كيد الذي عاداك عن حنَقٍ
ففي نجاحك رمسُ الخصم منتَحَرُ»: