محمّد العايب للعروض و الندوات و اللقاءات تشجيعا لأهل الفنّ من مختلف أغصان شجرة الفنون التشكيلية و الفوتوغرافية .... دار النقاش حول تجربة الدكتورة سماح بوشعالة المكني بحضور جمع هام من طلبة المعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس , و بعد قراءة تجمع بين الوصف والتعمق في جمالية القناع في الفن التشكيلي الفوتو غرافي اضطلع بها صاحب الفضاء محمد العايب تحدّث الاستاذ ناصر بالشيخ عن تآلف الفنون و أبعادها الرمزية عبر المدارس الحديثة وما تتميّز به من أبعاد و رموز صوفية تبحرُ بالوجه المقنع الى مراي التعبير المسرحي , ذلك أنّ القناع يبقى نصّا صامتا بقدر انحجاب التعبيرات الظاهرة , يُمَكّنُ الفنان من حريّة التأقلم مع السياق الوجودي اجتماعيا و فكريا و سياسيا فوجوديا ... تجربة أخرى من تجارب الابداع الفنّي من بنات المدرسة الفنيّة كشفت من خلالها الفنانة سَماح عَن قدرةِ التّونسي ّ على الاستيعاب فالتجاوز, تأصيلا لمدرسة الصورة التشكيلية الفوتوغرافية, وقدْ اختزلت الأستاذة سماح لوحاتها في قراءة موجزة تُحيلُ على سِمَات لمساتها اجمالا و للتذكير فانّ سماح بوشعالة المكني دكتورة في علوم وتقنيات الفنون إختصاص فنون تشكيلية , وأستاذة
مساعدة في التعليم العالي بالمعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس.تناولت في هذه تجربتها قراءة إنشائية متدرّجة لتجربتها مع «القناع» التّي خاضتها بلغة التّعبير التّصويري مع الإعتماد المُتراوح على أدوات وآليات التّركيب والعرض الفوتوغرافي، في شكل وحدة تتكوّن من عدّة أجزاء (سلسلات) مترابطة، وهي مُعالجة أرادت من خلالها توظيف الإمكانات الأنجع لرصد الحالات والوضعيّات المختلفة التّي تتشكّل فيها صور «القناع»، ذلك ما من شأنه أن يُفضي إلى الدّخول بالممارسة في منطق اللّعبة ضمن ثنائيّة الفعل التّصويري والجسد بحيث يتحوّل الوجه من حامل للملامح إلى حامل لآثار الفعل.و يبدو أنّ مُساءلتها «القناع» كمُلْهِم وكتجربة في حدّ ذاتها تُحيل على تجارب ومحاولات متنوّعة لبلوغ أهداف ومقاصد وتذوّق جمالي تختلف أبعاده وتجلّياته حسب تمشّي ورُؤى الفنان.
فلُغة القناع ناطقة بألوان الإشارة والإيحاء والرّمز فهو في في نظرها يتدرج من البُعد الوظيفي إلى التوظيف التشكيلي. فالبُعد الوظيفي للقناع عرف حضورا مُعبّرا ورمزيّا في مجالات وميادين مختلفة كالأسطورة والممارسة الإبداعيّة الأدبيّة والمسرحيّة.أمّا الطقوسي الشعائري: فهو يحمل في طيّاته دلالات ميتولوجية تُوحي بتصوّرات خرافية مُرتبطة بذهنيّة الإنسان الأوّل الجماعية. و لعلّ القناع الدّرامي: وهو الذّي يتمّ توظيفه في مجال العمل المسرحيّ ضمن سياقات وظيفيّة فرجويّةومشهديّةركحيّة، قد أُستعمل بطريقة نموذجية في الدّراما الإغريقية وكوميديا “ديلارتي”، لينخرط معها، ضِمْن وضعيّة جديدة يتجاوز فيها كونه مُجرّد وسيلة أو أكسسوار مسرحي ليُصبح تعبيرا عن مظهر ثابت أو خاصّيّة دائمة لشخصية نمطية . كما يُؤدّي «القناع» في نظرها أيضا وظيفة إيهامية وتنكرية، وهي من أهمّ وظائفه التّي يصعب حصرها في هذا المجال، فهو في تجلياته وتجسيداته ليس ظاهرة مُرتبطة بالمسرح فحسب، بل ينتمي كذلك إلى الإحتفالات الكرنفاليّةذكرت على سبيل على المثال كرنفال ريو دي جانيرو: وكرنفال فينيس: فهذه الأقنعة تُوضع لإخفاء أيّ شكل من أشكال الإختلاف بين الفئات الإجتماعية،
فتُسهّل الإختلاط والتّعارف، وهذا ما يُمثّل الغموض والمُتعة. أمّا في مستوى التوظيف التشكيلي فقد فسحت الأستاذة سماح المجال للفنان ليستمدّ منه إلهامه وليُساعد مخيّلته على الإضافة والإبداع وفتح آفاق وسُبل تشكيلية جديدة. هكذا أصبحت «صورة الأنا» –الحامل أو الخلفية- مندمجة مع القناع –الشكل أو التركيب- والعكس صحيح، بحيث ساهم كلاهما في بناء العمل التصويري إجمالا بطريقة تأليفية. وللتّذكير فإنّ تجربة الأستاذة سماح التصويرية هي تجربة مقامة أساسا على توظيف «القناع» في الفضاء التصويري بأساليب وآليات تقنية وتعبيرية وتشكيلية قصد إقامة حوار قائم على ثنائيات متضادة: الظاهر/الباطن، الحضور/الغياب، الإخفاء/الإظهار، الكشف الحجب... وعليه فإنّ أعمال الأستاذة التصويرية، هي مُحاولة لإحداث توازن وتوافق بين فعلها التصويري وبين ما يحمله من أبعاد إنسانية، لتلتحم الممارسة الجمالية والفكرية بتجربتها الإنسانية. لذلك تبدو صورة «الأنا القناع» بحالة من الإستيهام والذّهول والتّشنّج، بنظرات حائرة تأبى غالبا أن تُواجه أو تغضّ الطّرف عن المُتلقّي لخجل فيها أو تجاهل أو ترنو لأمر غير معروف.
انّ الأعمال التصويريّة للدكتورة سماح بوشعالة المكني هي دعوة لتحويل «القناع» إلى وسيلة للنّقد الإجتماعي عبر تشكّلات وتركيبات تنحو ضمنيّا باتّجاه التّيه والسّخرية والرّغبة في الإنعتاق، فهي تُوحي بانفجار داخلي للأنا عبر التّقلّبات والمُتقابلات النّفسيّة .
ختاما، تعتقد الفنانة سماح أنّ هذه التّجربة تحمل في طيّاتها إيماءات بالهويّة من حيث الموضوع وتعني صورة الأنا وما طرأ عليها من تحويرات عبر توظيف القناع بما هو كشف وحجب
و مما جاء في ورقتها العلميّة قولها :ممّا لا شكّ فيه أن مفهوم «القناع» والبحوث التّي أجريت حوله لا ينفصل عن الإطار الحضاري والثقافي والإطار الفني والتصويري الذّي أنشئ فيه، وفي الواقع ما فتئت هذه المسألة تشكّل مبحثا مُتجددا يلتقي حوله العديد من الفنانين، نظرا لما يثيره هذا الموضوع للعديد من القضايا الجمالية والدّلالية التّي تبقى تطرح ذاتها باستمرار. لذا يكون من المفيد بل ومن الضّروري تجاوز مقاربة هذا الموضوع مقاربة نظرية بحتة من أجل إجراء دراسات دقيقة وشاملة قادرة على الإنخراط في تجربة تصويرية مخصوصة تلقى الضّوء على حدود المقابلة بين «القناع» وتمظهراته،في إطار توجّهات نظرية وفكرية متعدّدة تنطلق من «القناع» كبنية جمالية ثمّ كفكرة قائمة على ثنائية الدّال والمدلول.لقدتضمّنت تجربتي الذّاتية مع «القناع» -بوصفه هيكلا فنّيا-إضافة إلى ما يمكن أن يكتنزه هذا «القناع» من إيحاءات رمزية حاولت خوضها بلغة التّعبير التّصويري مع المراوحة بين أدوات وآليات التّركيب والعرض الفوتوغرافي، وتوظيف تقنيات المعالجة التّي سعيت من خلالها إلى استيعاب الإمكانات الأنجع لرصد مختلف الحالات والوضعيات التّي يتشكّل عبرها «القناع»، وهكذا
يتمّ تحويل الوجه من مجرّد حامل للصّفات الماديّة إلى جهد تحويلي يجسّد آثار الفن التشكيلي.ولبلوغ هذا الهدف إحتوت تجربتي على مجموعة من الصّور والقراءات المختلفة ذات الصّلة بالمسار الفكري والمفاهيمي المتنوّع والمرتبط بالبحث عن «الهويّة» و»الذّات» المنخرطة في إطار الفعل التصويري والجسد بحيث يتمّ تحويل الوجه من مجرّد حامل للملامح إلى حامل لآثار الفعل نفسه. تنخرط تجربتي إذن في مبحث «الهوية» و»الأنا» وما ينتج عنه من أبعاد دلالية يستوعبها الفعل التشكيلي وما ينشئه من ثنائية «الوصل والفصل» بين «القناع» وصورة «الأنا» في مرحلة أولى إضافة إلى ما يمكن أن يؤدّي ذلك إلى تفعيل لثنائية «الكشف والحجب» بينهما لغاية الجمع بين جماليّات الفعل التّصويري وأبعاده الذّاتية من ناحية وإيحاءاته الفكرية والفلسفية في مرحلة ثانية.