Print this page

مرايا وشظايا: بالرغم من «غول» ظلام العقول تونس الحداثة إلى الأمام

«لا عبوديّة بمملكتنا ولا يجوز وقوعها فيها، فكلّ إنسان حرّ مهما كان جنسه أو لونه ومن

يقع عليه ما يمنع حريّته أو يخالفها، فله أن يرفع أمره للمحاكم» هكذا جاء في أمر أحمد باشا باي يوم 23 جانفي 1846 الذي كان قرارا تاريخيا بإلغاء الرقّ والعبودية في تونس. 

بعد مرور 137 سنة على هذا القرار الشجاع والرائد والتقدمي، أعلن رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي إقرار يوم 23 جانفي من كل سنة «عيدا وطنيا لإلغاء العبودية والرق» بتونس. فهل من جدوى لإعلان عيد جديد والأعياد القديمة قد تعود بما مضى دون جديد؟
ولكن يبدو في ظل ما نعيشه من زحف ذيول التخلف والعنصرية والتعصب أن هذا العيد فرصة للتذكير «لعل الذكرى تنفع المؤمنين» بأن تونس كانت سبّاقة منذ ما يزيد عن القرن في إلغاء التمييز واستعباد الناس «وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا». وليست حادثة الاعتداء على المعلم أحمد الطرابلسي في الأيام الأخيرة من طرف وليّة تلميذة ووصمه بلون بشرته سوى دليل على تعشيش «بومة الظلام» في بعض العقول المريضة والنفوس العليلة. فهل نسير إلى الأمام أم نعود أجيالا إلى الوراء!

لو عاش أحمد باشا هذا الخواء الفكري وسمع هذا العواء الرجعي لقاد إلى المحاكمة كل من عليه ذنب احتقار الناس وهو في القانون سواء. ولو بعث من جديد الطاهر الحدّاد في زماننا هذا لضرب بكتابه «إمرأتنا في الشريعة والمجتمع» أصل الداء وبكى قهرا من ظلم ذويه وتقهقره إلى الخلف وهو الذي حارب الدنيا من أجل تحرير مجتمعه وإنصاف نصف المجتمع من النساء منذ ثلاثينيات القرن الماضي. فإذا بهذه المرأة تكون عدوة نفسها وتلف حبل الهوان برقبتها وترضى أن تكون رقما يقبل القسمة والاقتسام «مثنى وثلاثا ورباعا». وإن صدّق نبأ خروج نساء يحرّكن بالخيوط كالدمى للتظاهر اليوم أمام قبة البرلمان مطالبة بتعدد الزوجات، فلن يتعدى الأمر التندر وإدرار «النكت» من الشعب التونسي «الضامر» ولكنه خارج حدود الوطن قد يكون مدعاة سخرية في بلد كان سبّاقا في إلغاء تعدّد الزوجات كما كان رائدا في إلغاء الرّق. بغض النظر عن هوية وخلفيات من يزّجون ببعض النساء إلى خانة العبودية من جديد، تبقى هذه المحاولات ضعيفة المتن والسند ومجرّد «زوبعة في فنجان» لا أكثر!
بالرغم من الدّاء والأعداء و»غول» ظلام بعض العقول، تسير تونس إلى الأمام وهي التي تعد بمكاسب جديدة وتعد بفتح جديد في مجال الحقوق والحريات على غرار المساواة في الميراث وما جاء في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة... وكما كانت منذ عهود أفلت، سيبقى اسم تونس دائما وأبدا مكتوبا بحروف من ذهب كبلاد سبّاقة في مراكمة مكتسبات الحداثة.

المشاركة في هذا المقال