ودراسة السياسات تحت شعار «الإصلاح الديني بين تجربتي الديمقراطية المسيحية والإسلام السياسي: سجالات، مقارنات، استشراف حالات ما بعد الربيع العربي».
وتطرح الندوة مجموعة من الأسئلة ذات الصلة بواقع حركات الإصلاح الديني في أوروبا تحديدا لوضع حد لاحتكار التأويل وتجديد الخطاب الديني وتحرير الفرد (حرية المعتقد والفكر والشروط النظرية والتاريخية والمجتمعية التي ساهمت في بروز الأحزاب الديمقراطية المسيحية وتشكلها؟ وماهي أسس شرعية الديمقراطية المسيحية وهل من مقارنة بين الأحزاب الديمقراطية المسيحية وأحزاب «الإسلام السياسي» (شبكة القيم والأرضية الدينية وطبيعة الرؤية الإيمانية ومنهج التحليل والتأويل)؟ ما الذي يحول دون نشأة أحزاب اسلامية ضمن أفق قيم الحداثة السياسية، ثم هل قدمت حركات الإسلام السياسي بعد أكثر من سبع سنوات تقريبا على انطلاق ثورات الربيع العربي مشاريع ومبادرات سياسية صالحت قيم الديموقراطية والحداثة السياسية.
وخلال الجلسة الافتتاحية القى الاستاذ منير الكشو من تونس محاضرة تحت عنوان «المراجعات الراهنة للعلمانية واستتباعاتها على علاقة الديني بالسياسي» حاول فيها وضع العلمنة والعلمانية في سياقاتها التاريخية وفي الفلسفة السياسية الحديثة والممارسات السياسية التي شهدتها بعض الدول وقال «شهد العالم العربي خلال السنوات الاخيرة ما سمي بـ «الربيع العربي» الذي أدى فتح الباب امام العديد من المراجعات السياسية والثقافية والاجتماعية مشيرا إلى أن تونس توفقت في مرحلة الانتقال الديمقراطي وتحقيق حد ادنى من الاستقرار السياسي مقارنة مع بعض دول هذا الربيع وذلك خاصة من خلال مأسسة الانتقال الديمقراطي والسياسي والاجتماعي واحداث العديد من الهيئات الدستورية في الغرض:
وركز الباحث السينغالي سيادي دياميل نيان في مداخلته عن الاسلام في السينغال وما شهده من محاولات اصلاح وتحديث للخطاب للابتعاد عن ربط الدين الاسلامي بـ «كرامات الاولياء الصالحين والزوايا» من ناحية وللحد من الارتماء بين احضان الوهابية من ناحية اخرى واكد بالخصوص على مرارة الصراع الايديولوجي بين الوهابية والتيجانية وتأثيره على المجتمع السينغالي.
وأشار لويس صليبيا من لبنان الى ان الكنيسة في لبنان عرفت في القرن العشرين تجارب إصلاح عديدة مشيرا الى انه خاض في مقارنة بين تجربتي المطران غريغوار ( 1924 - 2015) ولويس خليفة (1930 - 2015).
وقال «ان فكرة الاصلاح الديني شغلت الناس والمسؤولين الروحيين والسياسيين ردحا من الزمن. وانا ارى ان الكنيسة لا تتعارض مع العلمانية الدينية حيث انها لم تتصد لها كما انها لم تؤيدها والعديد من رجال الدين المسيحيين عملوا لوقت طويل على ضرورة الفصل بين الكنيسة والدين المسيحي والممارسة السياسية
دعوة إلى إنشاء وفاق ديمقراطي
بدوره اوضح الباحث النمساوي ستيفن هامر ان انشاء وفاق ديمقراطي امر مهم من اجل خلق مجموعة دينية سياسية يمكن دعمها دون أن نشعر بالخوف من ان تظل طريقها وتسيء الى المجتمع ولاحظ وجود اشكال كبير في العقيدة الكاثوليكية وتأويلها داخل الفلسفة الكاثولوكية نفسها.
ولدى مناقشتهم لهذه المداخلات اشار بعض الحضور الى أهمية تحديد بعض المفاهيم السائدة لتفادي الخلط بين كل ما هو ديني والممارسة الدينية في العالمين الاسلامي والمسيحي مشيرين الى ان الضرورة تقتضي اساسا الوقوف على القواسم المشتركة بين الاديان للتأسيس لمقاربات للاصلاح الديني رغم وجود العديد من الفجوات التي هي نتيجة لقراءات مختلفة للدينين الاسلامي والمسيحي.
بعض الحضور تساءل ايضا عن مدى نجاح حوار الاديان في التقريب بين هذه الاخيرة وخاصة سد الطريق امام بعض الرؤى والاطروحات السائدة والتي تعمل على تعميق الخلافات بين هذه الأديان وأهمية البناء عليها لإجهاض كل نفس فكري إصلاحي حقيقي يفصل بين الدين والممارسة الدينية والمسيحية الدينية والإسلام السياسي وذلك من عوامل الاستقرار السياسي والمجتمعي في البلدان العربية.
وكان الدكتور مهدي مبروك رئيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فرع تونس اكد قبل ذلك ان استحضار بعض تجارب الإصلاح الديني السياسي التي جرت ولا زالت في أوروبا خصوصا بعض تجارب الأحزاب الديمقراطية المسيحية التي استطاعت أن تجتهد من داخل الفكر المسيحي ومقارنتها مع حركات الإسلام السياسي، ورغم مخاطر المقارنة قد يكون مفيدا وربما ملهما في ظل الصعود اللافت للحركات الإسلامية على اثر انطلاق ثورات الربيع العربي وتحملها مسؤولية الحكم في بعض البلدان ومساهمتها فيه في بلدان أخرى وظهور مشاريع ومبادرات سياسية داخل بعض الحركات الأخرى تسعى إلى مصالحة قيم الديموقراطية والحداثة السياسية رغم ترددها وإغفالها أحيانا للشروط المعرفية والفكرية التي تدعم هذه التوجهات حتى تجعلها اجتهادا راسخا في الفكر والممارسة السياسية لهذه الحركات.