عرض عطور في قاعة الاوبرا بمدينة الثقافة: تونس ذهب عيار 24 وموسيقاها عنوان لهويتها

بهية انت بكلّ تفاصيلك، جميلة جزرك، مبهرة صحراؤك غامضة حكايات جبالك وأعاليك، بطولاتك كتبتها حناجر النسوة وغنتها لتخلّد

ذكراك وتكتب تاريخك، بهية انت في ربوعك يفوح الشيح و الست مريم و الورد و الاكليل والاقحوان و القتاد و البهيرة و العود والعنبر كما رائحتك الزكية وتكون اهازيج الفرح و البطولة في ربوعك وفي تفاصيلك

يا تونس الجميلة سرّ وحكاية عشق او قصة حبّ كتبتها النسوة ورددنها عنوانا للفرح الازلي فرح لخّصة محمد علي كمون وكامل المجموعة الموسيقية في عطور.

عطور العرض الموسيقي الذي قدّم للمرة الاولى في اختتام مهرجان قرطاج الدولي وفي نسخة ثانية قدم في دار الاوبرا بمدينة الثقافة، عطور رحلة موسيقية في الذاكرة رحلة البحث عن الهوية والتاريخ والعمق رحلة تميّز في قيادتها المايسترو محمد علي كمون و الساحر محمد بوسلامة وعاشق الكمنجة زياد الزواري مع سحر السينوغرافيا التي اشرف عليها المبدع حسام الساحلي

عطور تونس نهر حب لا ينضب
تونس الاصل والمنى، تونس الوطن، تونس اهازيج الجبل وأغاني الصحراء تونس الملزومة و البردة و الحضرة والمديح و المزود و المالوف، تونس الوان الحياة وعطور طبيعية مختلفة، تونس صمود الصحراء و شموخ الجبل و امتداد البحر وغموض الجزر، تونس ايقاعات مختلفة وتلوينات فنية ثرية غاص فيها محمد علي كمون ومجموعته الموسيقية لثلاثة اعوام ويزيد بحثوا، عاشوا مع شيوخها حفظوا اغانيها وانجزوا مختبراتهم ليقدموا للجمهور عرضا موسيقيا متكاملا وساحرا، عرضا فنيا وأكاديميا سمّوه « 24عطر».

في العرض ساكتشف انّ تونس عطرة بطبيعتها عطرة بأناسها وبتراثها اللاّمادي، تونس عطرة بحكاياها وتاريخها ، عطرة بشهدائها ودماء شهدائها، عطرة باختلاف أفرادها وعاداتها وتقاليدها، ألا تستحق منا جميعا أن نستحضر هذه العطور؟، و»من جهة أخرى العطر أوالعطور تستخرج من الزهور عادة وتركيبها ليس سهلا ومن هنا كانت فكرة العنوان والأربعة والعشرين عطرا»على حد تعبير محمد علي كمون..

على ركح قاعة الاوبيرا ستحلم ستسمع هسيس موج البحر في عطور الجزر، ستستمتع بسحر اللون الذهبي للصحراء ستسمع صدى حديث الجبال و قصص البطولة التي عاشها وكتبها ابناء الصحراء، سترى اخضرارا ساحرا كما الحناء وتستمتع بصوت الرياح تكتب موسيقاها في الجبال تلك هي العطور تونس العطرة بالموسيقى بالحرام و التخليلة والجبة والشاشية والموسيقى التي نفضوا عنها غبار النسيان وقدمت في ابهى حلة لجمهور يبحث عن هويته ومتعطش دوما للتجديد.

لجمهور متشوّق لهوية موسيقية تتغنى بتاريخه وتدخل الى عمق الذاكرة تذكر كلا منا بطفولته بحكاية أو قصة، أغان تدغدغ الذاكرة وتهمس لخلجات القلب لينبض بالحب، للجمهور قدم الاربع وعشرين عطر، وللرقم 24 الكثير من الدلالات، قد يكون «عيار 24» كما الذهب، او عدد ساعات اليوم، وربما «عطور شوبــــان» الاربع والعشرين او هي الاربع وعشرين ولاية تونسية او الاربع وعشرين نوبة تونسية المندثرة ، تختلف التأويلات ولكن الهدف الاوحد هو انها تمثل تونس من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب، تونس الهوية والبحر والصحـــراء والجبل.

قبل العطر تفوح المقدمات الموسيقة
ثلاثة اعوام من البحث المتواصل، ثلاثة اعوام من التجوال في تونس شمالها وجنوبها، قراها واريافها، أعوام تنقل فيها الأغاني في مختبرات فالعطور كما يقول محمد علي كمون مخبر متجول يتنقل الى ولايات الجمهورية وقراها وجبالها وسهولها للبحث عن أغنية مميزة تتغزل بالمرأة و اثناء عملية البحث اكتشفت أن اجدادنا جد رومنسيين، ويتغزلون بالمرأة وكل تفاصيليها ويختلف الغزل من الشمال الى الجنوب ومن المدينة الى الريف.

في البحث الميداني اكتشفوا مخزونا ايقاعيا جد مميز، مخزون لحني والكثير من اللهجات الموسيقية، فالشمال الغربي لهجة، وتونس لها لهجة موسيقية خاصة تمتد الى الوطن القبلي وتستور وجزء من الشريط الساحلي، اللهجة الثالثة لهجة المثاليث في الساحل وجبنيانة، و للواحة لهجتها و لسكان الجبال والمرتفعات لهجة خاصة بهم، كذلك الجزر لها لهجة موسيقية مختلفة، «جميعها اثرت في اللهجة الموسيقية التونسية وساهمت في ثراء المخزون التراثي الذي تبحث فيه قافلتنا» كما يقول المايسترو كموّن.

قبل الغوص في جمال الاغنية يكون الموعد مع حديث الالات، سحر الناي يغازل البيانو، مزيج الصحراوي مع الكلاسيكي، القيثارة الغربية بجنونها تتماهى مع الزكرة و الدرامز تعانق الطبل، اما الكمنجات فتحادث الروح دوما، حكايات الالات التي تنتمي الى مدارس موسيقية مختلفة جميعها وحدها محمد علي كمون في مقدمات تسبق الاغاني والمقدمات هي فسحة للآلة بعيدا عن الغناء، ربما تبدو جديدة عن المتفرج التونسي ولكن فنانا يعمل بالمقولة الشعبية «شوّق وبعد ذوّق» ويعتمد اسلوب مميز يجعل المتفرج يقبل على عرض الاتي دون غناء، فأغنية «هزي حرامك» تلك التي يتفاعل معها الجمهور، يسبقها الفنان بمقدمة»نفطة» مقدمة يرحل فيها الناي بعيدا الى غياهب الصحراء وصفرة رمالها، ستجدك تبحث في ذاكرتك عن تفاصيل الطفولة والحنين الى الأماكن، اغنية «ناقوز تكلم» وعطور الجبال يسبقها مقدمة «الكاف» ورحلة الى ربوع سيكافينيريا مع موسيقى مجنونة جنون جبالها، اما العطور الصوفية فتسبق بمقدمة «دار شعبان» وحنين الكمنجات وهدوئها كما ولولات الصوفيين وشطحاتهم، اما الجزر فتسبق بمقدمة «السمرة» وعودة الى الطفولة الى ذكريات «الصغر» واحاديث تبقى راسخة في الذاكرة كما العطور..

في عطور تكون المقدمات هي موسيقى آتية تتضمن سفرا ذهنيا خاصا حول ما يجري ببلادنا، وفكرة هذه المعزوفات كانت في إطار هذا السفر الذهني، سفر الى العمق الى تونس ومعانقة كلّ تفاصيلها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115