«كوري خير الدين» معرض «نقطة فقصائد فأغاني»: في ثنايا التاريخ ترقص لوحات عبد الرزاق حمودة

بهية هي المدينة العتيقة، ساحرة ابوابها وحكاياها الغامضة، ممتعة هي الجولة في حضن التاريخ

وبين دفات حكايا الماضي وسحره، هنا تتماهى كلّ مقومات الجمال تتحد مع التاريخ وتعبق «بريحة» المدينة العتيقة، هنا شموخ أبدي لمدينة حافظت ابوابها على جمالها وحافظت على سحر يميز عمارتها عن بقية المعمار الحديث، هنا ساحة التريبونال قبالة قصر خير الدين افتتح «الكوري ابوابه».
«كوري خير الدين» الفضاء الثقافي الوليد، فضاء يؤكد قداسة الابداع و الحلم في المدينة العتيقة، فضاء يرحب بعشاق الحياة ويقدم صورة عن حلم السيد فوزي كعلي لتكون مدينته أجمل.

للخط العربي قداسته وتمرده
الخطّ العربي هويته، الخطّ حلم كتب به هويته وعبّر من خلاله عن نفسه، في الكوري تعرض لوحات عاشق الخط الفنان عبد الرزاق حمودة ذاك الريفي الثائر الذي لم يجد حظه في المدينة لأنها تقوم على المنافسة الشرسة وهو هادئ الطباع مسالم يعشق الهدوء في العلاقة مع الآخر صدمة المدينة جعلت من فناننا يغير وجهته الجغرافية الى عاصمة الانوار باريس، وهناك وسط اناس لا يتحدّث لغتهم تجمعه معهم افكار الحرية والتنوير اعتمد الحروف العربية هوية ليعرّف بنفسه بماضيه وتاريخه وحكاياه في لوحات الخط العربي.

هنا كوري خير الدين، اضواء جميلة، بساطة في الزينة، حجارة المكان بلونها الاصفر والبنيّ تتحدّث للزائر عن تاريخ هذا المكان، هنا «كوري» او «اسطبل» أصبح اليوم مقرا للفن للجمال، عوض «التبن» فرش الكليم التونسي و مكان الاحصنة و الحيوانات علّقت اللوحات النابضة بكلّ تعاليم الحياة، كما جياد احصنة الفرسان لتلبي نداء الحرب، تغني اللوحات داخل الرواق وتتغنى بجمال اللغة العربية في لوحة سمّاها صاحبها «اللغة العربية عربة تجرّها عشرون فرسا جامحة» كما تقول أحلام مستغانمي.

في «الكوري» تتحدّث اللوحات بأجمل الألوان فهاهو الازرق السماوي يزين الخطوط ربما هو امتداد لأحلام الفنان التي تشكّلت في قابس، والأسود يزين بعض اللوحات وكانّه يذكّر الزائر بنضالات الفنان ضدّ العنصرية، وللأحمر والاخضر والبني حضورها، الوان مختلفة تزيد الفضاء بهجة وتدفعك إلى مزيد التعّني واكتشاف ما كتبته انامل الخطّاط التونسي المقيم في المهجر داك «التونسي دفعة واحدة» كما قال اولاد احمد ذات مرة.
اختلفت المواضيع التي خطّها عبد الرزّاق حمودة، اوّلها السياسي فأول اللوحات كتابة لشعار رددته الحناجر الرافضة للظلم «الشعب يريد اسقاط النظام» ، ولانّ الخطّاط عرف بتمرّده منذ الصغر عشق كلّ الكلمات الثائرة ولانّ المدينة موجعة و الانظمة كذلك خطّ ما قاله اولاد احمد في قصيد «ألاهي اعني عليهم»:

« الهي
اريد جرادا لكل الحقول

ومحو جميع النقاط
وقحطا لكل الفصول

وطيرا ابابيل للاحتياط
صدقت الهي ان الملوك كما الرؤساء

اذا دخلوا قرية افسدوها
فخرب قصور الملوك ليصلح امر القرى

لازالت الجولة متواصلة ولازالت القصائد السياسية تزين حيطان الكوري وتنبض من لوحات عبد الرزاق حمودة وهاو اولاد احمد يحضر مرة اخرى بقصيده «الريح اتية وبيوتهم قشّ والكف عالية وزجاجهم قشّ» .

الخطّ العربي لحظات عشق حمودة للغته، لهويته لنفسه فخطوطه جزء من الروح والانتماء، ولانّ الخطّ حبّ كتب الفنان مجموعة من اجمل كلمات الغزل في لوحات ساحرة من «اذا مرّ يوم ولم اتذكر به ان اقول صباحك سكّر» لنزار قباني الى «العين الي ماتشوفكشي» الى اغنية «قد هام قلبي بالحبيب وذاب» و «على الحب تنام ايامنا وعلى الشوق تصحى ليالينا» ، كلمات هي لحظات بوح الفنان للوحاته، لخطه العربي فلو كان له قلبان لعاش بواحد وترك الاخر ينبض فقط للخطّ العربي الذي عشق تفاصيله في باريس مدينة الانوار.

في الكوري تنطق الحجارة بالفن، تخاطب الزائر بسحر الخطّ العربي وتبهره بجمالية انعكاس الضوء على الخطّ فتكون الصورة ممتعة ومتمردة ومشاكسة فللخطّ العربي جاذبيته ومغناطيس عجيب عند كلّ من تقع عينه عليه فهو يتجاوز كلّ الهويات فالخط العربي امامه تنفجر كلّ ينابيع الابداع وفي سحره تتلاحم كلّ احاديث الحب وحكايا العشق الازلي التي ولدت في قلب فنان عصاميّ جاب العالم بلوحاته الناطقة بالياذة الامل.

«الكوري» حين يتحوّل اسطبل الى فضاء للحلم والفن
فضاء ثقافي جديد، مولود جديد بعث من رحم «اسطبل» ، فضاء يحمل من الاسم «كوري خير الدين» حافظ على اسمه لكن تغيرت وظيفته، فضاء يوجد قبالة متحف قصر خير الدين ، دامت اشغال انجازه لاعوام طويلة «عنّا فلوس نخدمو ماعناش نرتاحو على حدّ تعبير السيدة كوثر كعلي المشرفة على الفضاء.
وبالعودة الى التاريخ تحوّل «كوري خير الدين “ بالمدينة العتيقة من اسطبل لخير الدين باشا الى فضاء ثقافي خاص

فبعد انتصاب الحماية ورحيل خير الدين باشا تم بيع قصره(متحف خير الدين باشا حاليا) وملحقاته وتقسيمه على مالكين مختلفين منهم عائلة الكعلي التي اشترت الاسطبل سنة 1920 فحوله الحرفي حسين العامري الكعلي الى ورشة نسيج ساهمت في دفع الاقتصاد في تونس، وفي 1960 تحولت ملكيته الى محمد العامري الكعلي والد المالك الحالي فوزي الكعلي والذي بدوره عمل على اعادة الروح إليه بعد تهاويه وترميمه باشراف لجنة صيانة المدينة دامت مدة اعداده 8 سنوات ليصبح على هذا الشكل المعماري التقليدي بتجديد اوروبي وحوّله صحبة زوجته كوثر الى فضاء ثقافي خاص.

بابتسامة جميلة تستقبل زوار المكان وتدعوهــــم إلى اكتشاف الكوري «le bébé de mon mari» كما تسميه، الفضاء الحدث و الجميل، بابه البنيّ الجميل يحمل لون التراب، الى يسارك في المدخل طاولة وبعض الاوراق التعريفية للفضاء وورود يفوح عبقها في المكان، الى يمينك قوس صغير بابه ازرق جميل، ثمّ القاعة الكبرى ميزتها الاقواس العديدة، سقفها من خشب بنيّ اللون، حافظ الكوري على «الحلقات الحديد» التي كانت مربطا للخيول، حافظ على حجارته الاصلية البنية الصلبة التي كانت مطمورة لسنوات طويلة واستغرقت عملية اعادة الحفر ليعود الى صورته التقليدية سنوات.
«الكوري» فضاء جميل، ألوانه متناسقة مع حجارته الأصلية.

الاسم يثير الاستغراب لكن الداخل يشعر بالانبهار «شوف كوري شنوة نجموا نعملوا منو» كما تقول السيدة كوثر ، وأكدت محدثتنا انهم حافظوا على الاسم الاصلي للفضاء اولا لتفرّده ثانيا لدعوة كلّ من يملك دار عربي مغلقة لتحويلها الى فضاء جميل فضاء للحياة مشيرة انّ من يؤمن بنفسه حتما سيجد حوله الكثيرين «بلادنا جميلة، ومحلاها، فقط علينا العمل لنقدّم صورتها البهيّة» ليكون الكوري جزء من تاريخ هذا الوطن، جزءا من هويتنا، فضاء هو اسطبل في الماضي ربّما شهد حكايا «ساسة الخيل» وقصصهم و اسئلتهم الحارقة عن الباي و الحكم، اسطبل تحمّل لأعوام رائحة الخيول واحاديث سائسيها، ثمّ تحمّل لسنوات اكثر رائحة الاسمنت و صوت الفراغ والوحشة وبعد سنوات هاهو يفتح ابوابه ليحقق حلم صاحبه فوزي كعلي ليكون «الكوري» مشرعا ابوابه للحياة ولأمل لا يعرف طريق اليأس.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115