نغني وننشد ونرقص الى ان ينام القمر، بهذه الكلمات تحدث احد الرعاة عن «عيد الرعاة» في دورته الخامسة.
في هنشير بوفروة من منطقة الوساعية اقيمت الدورة الخامسة لعيد الرعاة التي تنظم بالشراكة بين جمعية الهضاب وجمعية ربيع سبيطلة و المركز الثقافي الجبلي، وبحضور فنانين عالميين منهم جون لوك وعماد العليبي التونسي المهاجر ودافيد جيرو ، عيد الرعاة انطلق تحت حماية امنية وعسكرية مشددة انطلقت من حاجب العيون اين صاحبت دورية للجيش الوطني ضيوف الجبل الى حد الوساعية .
رعاة الجبل حماته
سبيطلة فالشرايع ثم الوساعية، طريق فلاحية الى هنشير بوفروة الذي احتضن الدورة الخامسة لعيد الرعاة، صغار بالزي التقليدي استقبلوا الضيوف بإكليل الجبل وزعتره من النباتات البرية صنعوا اجمل الباقات ليقدموها لضيوف الهنشير، قبل ايام من انطلاق التظاهرة حزن سكان الجبل ورعاته بعد ان تعرضت «خالتي حسنية» الى حادث انفجار لغم داخل الجبل وهي تقطف الاكليل ومازالت بمستشفى القصرين و لكنهم متمسكون بجبلهم وبحقهم في الحياة.
في هنشير بوفروة كان الرعاة الصغار ميزة المهرجان، التحفوا بلحاف الرعاة وحملوا بأياديهم عصيّا صغيرة، غنوا ورقصوا وتنقلوا مع الزوار من هنشير بوفروة الى المريفيق سفح جبل سمامة وهناك صنعوا ركحا صغيرا زينوه اكليلا وغنوا رسالة الجبال تلك التي قالوا فيها « يا سيدي الرئيس، اترك لك رسالة، لعلك تقرؤها في زمن عويس، احرقوا الجبال، سنزرع جبالنا، يزرعها الاشبال، ان دمروا هضابنا، لن تصمت فنوننا سينشد الشباب، سنبقى مبدعين، سننطق حجرنا وننحت قدرنا ونهيم منشدين» هكذا غنى صغار الجبل و القوة تسكنهم، صغار يعيشون على صوت اطلاق النار في الجبل ويرون الدخان يتصاعد من السلوم وسمامة، حرموا من اللعب وصيد العصافير في الجبل فتمنى بعضهم ان يكون «عسكري لينظف الجبل من القتلة» على حد قول الطفل محمد.
عيد الرعاة تظاهرة تحتفي بالرعاة، تظاهرة انطلقت من بساطة الرعاة المتمسكين بجبلهم، رعاة المغيلة وسمامة والشعانبي الذين يعيشون الخوف ممن استوطنوا الجبل عنوة يتسارعون لاستقبال التظاهرة و استقبال الضيوف في منازلهم، ينامون في فراشهم و يأكلون زادهم ويرقصون على نغماتهم ومن بساطتهم يوجهون رسالة تحد ووطنية كبيرتين الى من عشقوا الموت وخانوا الوطن فسكنوا غيران الجبل، لأعداء تونس و لاعداء الحياة لمن اغتالوا الراعي الشهيد مبروك السلطاني ردد البعض كلمات لتوفيق زياد
إنّا هنا باقون، نحرس التين والزيتون، ونزرع الافكار، كالخمير في العجين، برودة الجليد في أعصابنا وفي قلوبنا جهنم حمرا، اذا عطشنا نعصر الصخرا، ونأكل التراب ان جعنا، ولن نرحل».
ريف المكناسي، ريف القصرين، كل أريافنا تعاني
«هل يمكن أن يقتلني هؤلاء العــرب إذا عرفوا في يوم من الأيــام أنني لا أحب إلا الشعــر والموسيقى ولا أتأمّل إلا القمــر والغيوم الهاربة في كل إتجاه !؟ ، او أنني كــلما استمعت الى السيمفونيــة الــتاسعة لبتهوفن أخــرج حافياً الى الطرقات وأعانق المارة ودموع الفرح تفيض من عيني». هكذا تساءل احد ابناء جمعية «المكناسي ثقافة» وهو ينظر الى الجبل الصامت قبيل الغروب.
ابناء المكناسي ابدعوا في عيد الرعاة بشحنة شباب متعطش للفن والإبداع بطموح شباب الى التغيير وتحطيم عقليات ترفض الفنون وبغيرة من يريد لمدينته المنسية ان تتقدم قليلا وتكون لها مكانتها في الثقافة وبثقة شباب عشق الموسيقى والرقص واتخذ الابداع دينا قدم ابناء جمعية «فن في المكناسي» مجموعة من الوحات الراقصة والموسيقية ومنها سبع حجرات رموها ضد الفقر والتهميش والظلامية والديكتاتورية والظلم و النسيان، سبع حجرات ضد من لا يحب تونس ومن يدعي محبتها كذبا، سبع حجرات ضد سياسة همّشت الارياف وجعلت من أبناء الريف نازحين.
ابناء المكاسي غنوا للشهيد مبروك السلطاني التونسي الذي اغتالته يد غادرة فذبح وفصل رأسه عن جسده لمبروك السلطاني قال غيث القمودي «انا ا سمي مبروك، من سيدي بوزيد، علموني ان ارضى بالموجود، لم يعلموني، لا ذهبت سلمى الى الكتبية، ولا دراسات ايديولوجية، ارضي عطيتها من دمي، سمعت على بلادي وقالولي خرجنا من الديكتاتورية وسنعيش في الديمقراطية، وجدودي ساكنين الجبال وقاوموا القوى الاستعمارية».
ابناء المكناسي شدوا انتباه ضيوف عيد الرعاة، ابدعوا وتميزوا في سفح جبل سمامة واكدوا للجميع ان «تونس ولادة» وفي كل شبر هناك مبدع.
القضية الفلسطينية...قضية الرعاة أيضا
التحفوا بالعلم الفلسطيني وتزينوا بالكوفية تحلقوا في شكل دائرة وارتفعت اصواتهم بالغناء «يا مواوويل الهوى» رقصوا الدبكة واشدوا كلمات عن الثورة والحرية ربما لم يفهموا كل الكلمات ولكنهم يحفظون اغاني فرقة العاشقين جيدا، صغار جبل سمامة حيوا اخوتهم في جبل النار وغنوا لفلسطين انشودة الحرية.
نادي الاسير الفلسيطني كان حاضرا في تظاهرة عيد الرعاة بجبل سمامة فحب فلسطين ودعمها لا يقتصر على المنابر الضخمة وقاعات المؤتمرات أو رجال السياسة والمزايدين في استغلال القضية بل يتجاوزها لان حب فلسطين متجذر لدى الرعاة البسطاء ممن يحبون بصدق ويكرهون بصدق ولا حيلة لهم سوى التعبير بصريح العبارة عن حبهم لفلسطين ودعمهم لإخوانهم رغم قلة حيلتهم كما قال مدير التظاهرة عدنان الهلالي.
ومن جهتها اشارت ممثلة نادي الاسير الفلسطيني بتونس حنان مبروك انّ الرعاة رغم بساطتهم فإن حبهم لفلسطين يبدو جليا عندما يتسارع الأطفال الصغار والشيوخ والنسوة إلى رفع علم فلسطين عاليا والتغني بأغاني العاشقين والسؤال عن الاسرى وفي بدايتهم القائد مروان البرغوثي، وهي أسئلة نابعة من قلوب بسيطة ومن أناس قرويين يرغبون في الاستفسار عن أشياء يشاهدونها في التلفاز ويتألمون لها ويتوارثون حبها عبر السنين، فلم تكن تلقائيتهم وأفعالهم سوى انعكاس فعلي لما حملتهم قلوبهم من حب لفلسطين».
ولفلسطين اهدى محرز العبيدي عازف الجبال بعض نغمات الكمنجة المقاومة نغمات تماهت مع كلمات الشاعر توفيق زياد في قوله:
أيها الاطفال
يا حبقا اخضر
يا جوق عنادل
لكم صنّا جذور التين والزيتون
لكم صنا المنازل
ايها الشعب المناضل
هذه الاعلام لن تسقط
مادمنا...نغني ونقاتل
«النـاي يقـاوم» على سفح الجبل بقيادة عـماد العلـيبي و بمشاركة جان لـوك تومــاس و جـهاد الخميــري وميشال مار و أصوات سمّامة (الجمعي الهلالي والكامل بلعيد وصليحة الهلالي ومصطفى الذيبي و عمّار الصالحي).
«الناي يقاوم» عرض تمازجت فيه الموسيقات واتحدت النغمات في حماية الرعاة وحضرة اغنامهم ، لضيوف هنشير بوفروة تمازجت موسيقى كمنجة محرز العبيدي مع ناي الكامل بلعيد وطبل عماد العليبي وإيقاعات جهاد خميري، وآلة «الفلوت» التي عزف عليها الفرنسي ميشال مار وقيتارة دافيد جيرو، عازفين من جنسيات مختلفة جمعهم الفنان التونسي عماد العليبي، فنان عالمي يعشق الايقاع اراد تحية الرعاة بطريقته فقدم عمل «الناي يقاوم» وهل هناك اشد مقاومة من الموسيقى التي تشحذ العزائم وتثبت النفوس لمزيد التمسك بالحق في الحياة.
اختتمت الدورة الخامسة من عيد الرعاة التي احتضنها ريف هنشير بوفروة، انتهى العيد المخصص لبسطاء الوطن عيد امتزجت فيه الموسيقات والإبداعات باختلاف الجنسيات احتفال اكد معه الكل ان تونس عصية على القتلة والجبل لاهله ولن يكون وكرا دائما لأعداء الحياة لأنهم زائلون، «ماتخافي الساحات يا حرة...الصفو من بعد الكدر».
هل سيتحرر الجبل؟
عيد الرعاة مهرجان ثقافي سنوي فريد من نوعه ينظمه المركز الثقافي الجبلي وجمعية الهضاب والهدف منه إيجاد تقاليد سياحية بديلة في المناطق الريفية الواقعة عند سفوح الجبال بهذا الجزء من تونس المعروف بعراقته حيث كان في الماضي مهدا للحضارة الرومانية.
كما يعتبر المهرجان أول تظاهرة من نوعها في العالم العربي تحتفي برعاة تونس وتصالح بينهم وبين الموروث الثقافي والحضاري.
ونتيجة أحداث جبل الشعانبي وإتساع مجال الأعمال الإرهابية إلى جبل سمامة ومناطق أخرى، تحول هذا الأخير إلى منطقة عسكرية لمكافحة الإرهاب. مما عزز دور المهرجان والدور الأساسي للرعاة في إعمار هذه الجبال الشاسعة وحمايتها من الإرهابيين اولئك الرعاة الذين قاموا بدور أساسي في دعم الفلاقة التي تأسست في جبل سمامة في عام 1954 وانتخب يومئذ الشهيد التونسي الأزهر الشرايطي قائدا عاما لها بحضور عدد من المناضلين على غرار مصباح الجربوع الطاهر لسود والساسي لسود.
عيد الرعاة في دورته الاولى كان فريدا لانه نظم داخل الجبل وتحديدا في كاف الحمام المكان الذي كان يجتمع فيه الفلاقة، ثم في الدورة الثانية توجه الرعاة الى مشرق الشمس و لكن بعد ان استوطن احباء الموت الجبل تراجعت المنطقة الجغرافية للعيد ونظم العام الفارط في منطقة المريفيق وهذا العام في هنشير بوفروة ابعد بقليل عن الجبل، فهل سيعود الرعاة الى جبلهم وهل سيتحرر الجبل؟.
المستشار الأول لسفير فلسطين: هشام مصطفى
الارهاب لن يفتك بهذه الارض
ثمن المستشار الاول للسفير الفلسطيني دكتور هشام مصطفى مشاركته في عيد الرعاة واعتبر أن دعم القضية الفلسطينية والتأكيد على ان فلسطين عربية وأن التونسيين يظلون دائما داعمين لاشقائهم الفلسطينيين لا يقتصر على الأماكن الفخمة بل يكون أيضا بين الرعاة البسطاء ممن يستقبلون كل سنة هذا المهرجان و يستضيفون المشاركين من فنانين واعلاميين في بيوتهم وبين مزارعهم، كما شكر المستشار كل الحضور على حفاوة استقبالهم واعتبر أن رفع راية فلسطين إلى جانب راية تونس في سفح جبل تتواصل فيه العمليات العسكرية ليلا نهارا وبحضور كل القطاعات الامنية في تونس لحماية المشاركين ما هو إلا رسالة تؤكد أن الارهاب لن يفتك بهذه الارض ولن يقدر على هزيمتها مادام الناس متمسكون بالحياة ما استطاعوا إليها سبيلا.
معاذ قمودي: جمعية فن المكناسي
بالفن سنكسر العقليات الرافضة للفن
في تقديم جمعية فن بالمكناسي قال معاذ قمودي رئيسها انّ الجمعية تعنى بالنهوض بالفنون في مدينة المكناسي من و لاية سيدي بوزيد ومعنية بصقل مواهب شباب المنطقة والكشف عن المواهب المطمورة في هذه المدينة ا لمحرومة من و سائل الفن والثقافة ومحرومة ايضا من عقلية تسمح لنا بممارسة الثقافة بأريحية.
واشار محدثنا ان ّفي المكناسي يوجد شباب صاحب موهبة كبيرة و شباب في طور ثورة ثقافية يحاول الظهور ويحاول ايصال صوته الثائر المتمرد ولكن تخونه العقلية الرافضة للعمل الابداعي و الامكانيات المتمثلة في غياب فضاءات ثقافية يمكنها صقل مواهب مبدعي المكناسي.
لذلك قررنا بعث الجمعية للمقاومة الفنية، ولازلنا نعمل في انتظار التاشيرة ، عمر الجمعية ستة أشهر ومنذ انطلاقها لقيت صدى في المدينة وتجاوب معها المواطنون لأنهم وجدوا صورة مغايرة .
الفكرة في البداية كانت للفنان عماد العليبي ابن المكناسي وهو من دعمنا وشجعنا لبعث الجمعية .
وأضاف محدثنا تمكنا من جمع من يؤمنون بالتغيير وبالثقافة في المكناسي وذاك مكسبنا الاول ، و ثانيا تجاوزنا بعض العقليات الرافضة للفنون المشككة فينا وبأخلاقنا لحد اتهام بعضنا بالشذوذ لأننا نرقص في الشارع.
ولكن تجاوزنا ذلك ونجحنا في كسب ثقة الجمهور وتأسيس مجموعة نواد منها نادي السينما ونعمل مع معهد الشهيد محمد البراهمي الذي فتح ابوابه لنا في حين وجدنا صدّا من طرف العاملين في المؤسسات الثقافية.
واول تظاهراتنا كانت «سبع حجرات» كانت متنوعة جمعت السلام والموسيقى والغرافيتي، تظاهرة اردنا أن نقاوم من خلالها لأننا نريد تغيير المشهد الثقافي بالمكناسي هناك ركود تام نريد تغييره وسنغيره حتما سنكون منبر كل الشباب الفاعل المؤمن بدوره كمواطن تونسي.
ربما حرمته الدولة من حقوقه ولكن يمكنه استردادها بالفن..
عدنان الهلالي: مدير التظاهرة
سيبقى عيدنا منفلتا متمردا
عن الدورة الخامسة لعيد الرعاة قال عدنان الهلالي ابن الجبال «هي دورة اكتشفنا فيها ريفا آخر من ارياف سمّامة، هنشير بوفروة، بعد ان صرنا هطّاية على طريقة الرّعاة من الوسّاعية الى فيض المثنان الى مشرق الشمس و هنشير العسل،حتى كان موعد بوفروة.” واضاف انّ عيد الرّعاة اكّد نبرته الكونيّة بحضور فنانين من ضفتي المتوسّط انشدوا مع رعاة سمّامة تراثهم الثري واذكر بالتوأمة بين عيد الرعاة بسمّامة وعيد الرعاة بشاناك الفرنسية (جهة لوزار) اين سيحل رعاة سمّامة كي يقدموا عملهم «الناي يقاوم» بالاشتراك مع الرعاة الفرنسيين.
وختم تصريحه بالقول “ سيبقى عيد الرعاة بسيطا منفلتا متمرّدا فاتحا ابوابه الى عشاق المغامرة الثقافية في العمق التونسي الرّائع..شكرا لاهالي هنشير بوفروة و لرجال الحرس و الجيش و الحماية المدنيّة على الملحمة الفنية الانسانية الجميلة على سفح جبل سمّامة الشامخ”.