السينما العراقية تحت المجهر من خلال فيلم «الرحلة» لمحمد الدراجي - قاعة أفريكا: في انتصار الحياة على الموت انتصار للعراقيين على الظلامية

خوف، ظلم، وجيعة، ارهاب، انتحار، تفجيرات، صوت الرصاص يصمّ الاذان، جبروت جنود الاحتلال، حلم، حبّ ومشاعر صادقة

ورحلة للبحث عن بعض تفاصل الامل واعادة حياكتها علّها تعمّ كامل العراق، مشاعر متبعثرة، فرح وترح في اللحظة ذاتها، حبّ وخوف، حياة وموت ثنائيات عديدة يعيشها المجتمع العراقي نقلها فيلم «الرحلة» لمحمد الدراجي.

«الرحلة» فيلم روائي طويل يعرض ضمن فقرة سينما تحت المجهر، فيلم عراقي الاخراج والتمثيل من بطولة زهراء غندور فيلم يدخل في فكر انتحارية يحاول مخاطبة وجدانها واستفزاز انسانيتها، ف «الرحلة» فيلم عبارة عن رحلة من الحياة الى الموت، رحلة يتخللها الكثير من الوجع العراقي، رحلة الشابة اليافعة سارة لتغتال احلامها ومعها احلام وآمال المئات رحلة تنتصر فيها الحياة على الموت».

حين تنتصر الكاميرا للحياة
صوت لازيز الطائرات، صغار يتغنون ببغداد وشموخها وعزتها، شابة عشرينية تقترب من الحشود، تنزع غطاء الرأس، تلتحم بالصغار وتدخل الى المحطة دون تفتيش، نظرة عامة لمحطة القطار صوت مكبرات الصوت يعلن عن اعادة تدشين المحطة المغلقة منذ ثلاثة اعوام، شاب يهاتف والدته ويخبرها انه بخير، عروس بفستان لزفاف الابيض ترفض ارتداء الكعب العالي وتعبر عن رفضها للزواج، طفل يمسح الاحذية، مجموعة من العازفين يعزفون لحنا حزينا، امرأة اربعينية تجلس وحيدة تنتظر حبيبا قد ياتي، ام تحمل طفلها بحنوّ، طفلة تبيع الازهار، بإعلان توقيت السادسة والنصف تضغط الشابة على الزر لتفجير نفسها والمكان ولكن للمخرج رؤية اخرى، قبل التفجير تتوقف الاحداث وتقرر الكاميرا ان تصحب الانتحارية في رحلة داخلها، رحلة ستتعرف فيها على من في المحطة، ستعيش وجعهم وحكاياهم حينها ربما تغير رايها وتقرر الحياة بدل الموت بعد تمسك سلام بها وعدم تركها للموت عملا بمقولة درويش «على الحلم أن يرشد الحالمين، كما الوحي».

المرأة رمز الحياة فكيف تهب الموت؟
تدور احداث فيلم الرحلة في محطة للقطار، محطة مليئة بالناس كلّ له حكايته الخاصة، لكلّ منهم سره الدفين تقترب منهم كاميرا المخرج محمّد الدراجي لمحاولة تقديمها الى المشاهد في طكلّ دول العالم.

مكان الاحداث محطة سيتم اعادة افتتاحها بعد أعوام من الغلق، شابة عشرينية اسمها سارة «زهراء غندور» شاحبة الوجه، قاسية النظرات صارمة وحازمة في كلامها، عكس اسمها الذي يحيل الى السرور والبهجة ومن هذا التناقض ينطلق لفيلم.

في المحطة، مجموعة من الاناث، طفلة تبيع الورود جميلة كزهرة حقيقية تحاول معاندة الحياة و اليتم والفقر لتعيش وتحلم، فامرأة اربعينية لازالت تؤمن بالحب ولازالت تاتي يوميا لانتظار حبيبها علّه ياتي وتتزوج بمن احبّ قلبها، فشابة بفستان الزفاف حزينة يبدو من الصورة انها رافضة للزواج، تستجيب اولا لرغبة والديها ثمّ تقرر الفرار «مااريدو» وترفض الزواج، فامرأة تحمل بين يديها طفلة صغيرة، ترميها وسط الفيلك لانها امّ عزباء لكن مشاعر الامومة تكون اشدّ قوة من قسوة المجتمع وتعيد ابنتها الى حضنها وتقرر رعايتها، في الفيلم مجموعة من النساء لكلّ حكايتها لكنّهن يشتركن في حبّ الحياة.

وسطهنّ جميعا «سارة» التي تقرر تفجير نفسها لتموت وتميت معها ذنوب كلّ الموجودين في المحطّة ولكن كيف لواهبة الحياة ان تقدم الموت؟ كيف لمن تلد الحب وتعطي من دمها حياة ان تكون رمزا للموت؟ سؤال ترفضه كاميرا المخرج ليعيد ترتيب الاحداث ويقرر الغوص في تفاصيل سارة و دغدغة قلبها النائم ععله يستفيق ويرفض اوامر العقل بالموت.

اوّل المشاهد يكون مع الطفلة الصغيرة، تلك الباكية التي تبدأ في ملامسى روح سارة، لضحكة الصغيرة وقعها على الروح، لم تنجح الطفلة، ثم مواقف سلام الشاب المتحرش الذي رغم وضع سارة لقنبلة في سترته الا انه يصرّ على انقاذها من أفكارها الشيطانية ويساعدها لتتخلص من فكرة التفجير، فبائعة الورود التي فقط تتمنى ان تجتمع مع والديها، سارة تشاهد كلّ ذلك الوجع، ترى اليتم بعينيها تشاهد وجيعة الفقر و الظلم، تسمع قصص العشق، ترى الحزن في عيون الطفل علي الذي فقد والديه بسبب تفجير انتحاري، تشاهد وجيعة ذاك الشيخ الذي فقد ابنه في تفجير مماثل، حينها تقف امام نفسها، وتسائل حبيبها البعيد الذي دفعها بابتعاده عنها لتصبح بتلك الهشاشة، وتقرر الحياة تقرر ان تعود الى انسانيتها وتحبّ الحياة ولا تقتل احلام اولئك البسطاء.

«الرحلة» فيلم انساني يغوص في ذاكرة الانتحاري، فيم يبحث في شخصيته ويتساءل عن سبب ان تصبح امرأة انتحارية، فيلم يخاطب القلب ويؤكد ان المرأة تهب الحياة والأمل دوما، فيلم ابدعت فيه زهراء غندور في اول تجربة سينمائية لها.

عراق ما بعد الحرب...فقر يتم وظلم وأمل
فراغ وشتات، محطة مهجورة منذ اعوام، اصبحت مسكنا لمن حطمت الحرب منازلهم، باتت فضاء للموت للاشيء، وجوه مصفرّة وكان الحرب جثمت بكلّ ثقلها عليها، يتم، طفولة مشردة تعمل لتقتات، تفجيرات انتحارية، الكثير من الوجيعة خلفتها الحرب، وجيعة نقلتها كاميرا المخرج محمد الدراجي بكل تفاصيلها، صورة جميلة تنقل المعاناة في وجوه الناس وتفاصيلهم.

الاماكن المهجورة، اصوات الرصاص، الانفجارات ، الخوف المرسوم في العيون جميعها ملامح للمجتمع العراقي بعد الحرب، لكن المخرج الذي كان له شرف اعادة بث فيلم عراقي في قاعات السينما العراقية بعد 27عام من الغياب يرفض الموت ويرسم تفاصيل الامل من خلال مشهد الطفلة الصغيرة التي استعادتها امها لترعاها بعد رميها، مشهد استعادة الطفلة كأنه اشارة لبناء عراق جديد ، عراق الفن والحياة فالحضارة ليست آثار، ولا أساطير الآف السنين، الحضارة أدب، فنّ، فكر، إسلوب حياة وفي الفيلم يصنع محمد الدراجي صحبة زهراء غندور اسلوب حياة جديد يقوم على الامل.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115