«يوم الدين» لأبو بكر شوقي في قاعة الكوليزي - (مسابقة الافلام الروائية الطويلة): مريض الجذام إنسان مثلك فلمَ التكبّر والسخرية؟

بايّ دين تدينون؟ عن ايّ دين تتحدثون؟ ادينكم يتيح لكم إقصاء الآخر وظلمه ووجيعته؟

هل إسلامكم يدعوكم لازدراء الاخر ونكران وجوده ومعامتله معاملة «البهائم» فقط لأنه مختلف؟ هل مسيحيتكم تبيح لكم ضرب و تحقير الاخر و الحطّ من شأنه فقط لأنه مختلف عنك و ووجهه لا يشبه وجهك؟ هل دينك يبيح لك كلّ تلك القساوة في معاملة اخيك الانسان المريض بالجذام ونعته بأبشع النعوت لإرضاء نفسك؟ هل على المريض انتظار «يوم الدين» ليشعر انه ندّ لك؟ هل ينتظر يوم القيامة فقط ليشعر انه «بني ادم»؟
أسئلة كثيرة طرحتها كاميرا المخرج ابو بكر شوقي في لفيلم الروائي لطويل «يوم الدين» فيلم من بطولة راضي جمال واحمد عبد الحفيظ، «يوم الدين» الفيلم الذي حقق اعلى نسبة ايرادات منذ نزوله الى القاعات في سبتمبر 2018 يشارك في لمسابقة الرسمية للافلام الروائية الطويلة، فيلم موجع ومؤلم لشدّة صدق الممثلين راضي جمال واحمد عبد الحفيظ.

اختلف عنك...فلماذا لا تقبل بي وباختلافي؟
صوت للرياح في الهجيرة، مشاهد لمكبّ للنفايات ووسطها تكوّر رجل يبحث عن شيء ما، صورة كبرى وكأنها تحمل المتفرج الى عالم من «الزبالة» عالم من مشاعر انسانية يكون مصبّ القمامة في الكثير من المرّات اكثر طهارة منها، تقترب كاميرا المخرج من وجه ذاك الرجل، يداه متآكلتان تبدوان غير طبيعيتين بسبب مرض ما، ملامح الوجه ايضا فهناك جروح غائرة لازالت تزين وجهه، صورة صادمة منذ البداية وكان المخرج يضع الجمهور امام فيلمه الصادم وأمام مشاعره.

الرجل يبحث في القمامة عن اشياء تصلح لإعادة الرّسكلة يقوم ببيعها ومنها يعيل نفسه، هو «بشاي» مريض الجذام، ينتقل بعربته «الكروّ» و حماره صديقه الحميم «حربي» ليعود حيث يقيم، فلافتة كبرى كتب فوقها «مستعمرة المجذومين» اول كلماته تكون «مساء الخير يا عيانين» فالمستعمرة هي موطن اقامتهم كلّ مريض بالجذام يودع هناك ليعالج ويعيش ويموت هناك دون معرفة عائلته بحالته او ما يعيشه.

من دخل المستعمرة تصبح مكانه وديدنه وفيها عاش بشاوي ، منذ البداية يطرح المخرج السؤال «لم اسمها مستعمرة؟ اليسوا احرارا في ذاك المكان؟، لتجيب الكاميرا ان نعم فوحده المدير يقرر متى تخرج الالات لمداواة المرضى وحده المدير يقرر متي يتصلون بأهلك من عدمها، وحده المدير يقرر أن تكون في فراشك او تكون في المشفى؟ هنا مكان يجمع مرضى الجذام مكان يجمع شتاتهم يحميهم من العالم الخارجي للوهلة الاولى يبدو من الظلم عزلهم عن بقية البشر لكن بتقدم احداث الفيلم سيشعر «بشاي» ان المستعمرة هي افضل مكان لإقامته فقط لان البشر الطبيعيين يرفضونه ويرفضون اختلافه.

«انا بني آدم» الا تعقلون؟
«يوم الدين» فيلم يرشح بالوجيعة، كاميرا المخرج تعري بشاعة الانسان في معاملته لاخيه الانسان، لساعة ونصف من الصدمة ، ساعة ونصف تعرّي الكاميرا قساوة الانسان وبشاعة تفكيره في معاملته لمريض الجذام.
«بشاي» مريض الجذام بعد وفاة زوجته، تخامره فكرة بحثه عن عائلته لان والده وعده بالعودة ذات مرّة ولانه لم يعد، يقرر بشاوي البحث عن عائلته لينطق من مستعمرة الى «قنا» مكان مولده، رحلة يحمل فيها كلّ اغراضه ويصحبه فيها صديقه الطفل اليتيم المقيم في الميتم «اوباما».

رحلة قاسية يركب فيها كلّ وسائل النقل ويواجه فيها كلّ الوان الرفض والتمييز والوجيعة، اولى المشاهد الصادمة حين سال بشاوي رجلين عن النيل ينظران الى وجهه ثمّ يضحكان، يصلان بعد سير طويل الى جانب النيل تكون الفرحة والبهجة حينما نزلا إلى الماء وقتها تصرخ النساء وتطالبنه بالخروج «الميّة يلعبوا فيها اولادنا بدك تلوثها» تلك اوّل الجمل الموجعة لبشاي، ثم رفض الممرضتين لاقترابه منهما حينما اخذ اوباما الى المشفى، فنبذه الشرطي «ماهذا ، لا اريد رؤية وجهه هنا احيلوه الى الحجز»

لازال بشاي يقاوم السخرية لازال يتحمّل قساوة كلام الاخرين وربما موقف الشيخ خالد كان موجعا ايضا فذاك الممسك بكتاب القرآن، يطلب من الشرطة اخراج «بشاي» من زنزانته ويخافه وينكفئ على ذاته وكانّ قرآنه لم يخبره ان «لا يسخر قوم من قوم، ولا تنابزوا بالالقاب» .
رحلة بشاي خارج اسوار المستعمرة كانت الصدمة، لاول مرة يكتشف نظرة الاخر له، لوجهه لمرضه، في القطار يخافونه، تغمض النساء عيون أبنائهن ويطلبن منه البقاء قي قسم «البهائم» حينها فقط يصرخ بكلّ وجيعة العالم، حينها يقول «كفايا انا بني ادم، كفاية انا انسان» كلمات صارخة خرجت من قلب رجل عانى كلّ الوان العنصرية فقط لانه مريض بالجذام، رفض فقط لان اثار المرض لازالت راسخة على وجهه.
لساعة من مرافقة الكاميرا لجولة بشاوي ساعة من الوجيعة و القساوة ساعة من ازدراء الذات و الاخرين ساعة من ممارسة كل انواع الاقصاء و الظلم لبشاوي لانه «مريض» لا يشبهنا و الاختلاف صوّر في مشهد السير ضدّ القطار فبشاوي أجبره مجتمعه أن يسير ضدّه لا أن يرافقه في نفس الطريق.

فاقد الشيء يعطيه
يقول المثل ان فاقد الشيء لا يعطيه، ولكن في الفيلم ثبت العكس ففاقد الشيء هو من يعطيه بكل سخاء، اوباما الطفل اليتيم فاقد حنان الاب اعطى لبشاوي كلّ مشاعر الحب و الحنان، كذلك المتسولون الذين فقدوا متعة الحياة لمرض او حادث اعطوا بشاوي مالهم ورفقته ومأكلهم، وساعدوه ليصل الى «قنا» بل وصل الأمر إلى حدّ أن طلبوا منه نزع القبعة التي تخفي وجهه وتسامروا معه ولمس احدهم وجهه ليتأكد ان بشاوي مثلهم فقط مختلف بسبب الجروح، مرضه غير معد لكن بشاعة الاخرين هي المعدية.
تدور أحداث «يوم الدين» حول بشاى، وهو رجل شُفى من مرض الجذام لكنه مازال يحمل آثار المرض في جسده، ويعيش فى مستعمرة لم يغادرها يوماً بعد وفاة زوجته، يقرر بشاى أن ينطلق في رحلة.

يوم الدين؟ اينتظر المريض يوم الدين ليشعر انه انسان؟
« كلّنا عايشين على امل انو يوم الدين نكون متساويين» هكذا يقول احد المتسولين لبشاي، جميعهم ينتظر الموت فالحياة الاخرى للحصول على المساواة مع اخيه الانسان، فهل هناك بشاعة اكثر من هذه البشاعة؟.
يوم الدين يرفض التمييز، فيلم يرفض نبذ الاخر ويدعو الى معاملة الانسان كما هو، فهل هناك دين يبيح بالسخرية والظلم؟ كيف للشيخ خالد ان ينبذ بشاوي وقرآنه يقول في الآية 12 من سورة الحجرات «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ».

كيف لعائلة بشاوي وأبناء قريته برفضه وانجيلهم يقول «طوبى لِمَن لا يَسيرُ على مَشورَةِ الشِّرِّيرين ولا يَتَوَقَّفُ في طَريقِ الخاطِئين ولا يَجلِسُ في مَجلِسِ السَّاخِرين»، وقد حذر الكتاب من مجالسة الساخرين لان مجلسهم يسهر لينتج الآثام: «لِأَنَّ الظَّالِمَ قدِ انقَرَض والسَّاخِرَ قد فَنِيَ وآستُؤصِلَ جَميعُ الَّذينَ يَسهَرونَ لِأَجلِ الإِثْم» فكلا الكتابين يرفضان الظلم و السخرية فلم يطبق البشر تعاليم دياناتهم وهل على المختلف عنّا انتظار يوم الدين ليشعر انّه انسان.

«يوم الدين» فيلم انساني فيلم ابدع فيه راضي جمال والجميع صفّق لادائه وليس شفقة، انسان أثبت قدرته على التميز فاربعة اشهر صنعت منه ممثلا تميّز في يوم الدين، كذلك الطفل احمد عبد الحفيظ طفل لوجهه تعابير الحياة بوجهه صنع شخصية اوباما وابدع في تقمصها، «يوم الدين» هو الصدمة التي تعريك امام نفسك وتجعلك تتساءل لآلاف المرات، لو كنت محلّ البشاوي هل سأتحمل كلّ تلك القساوة؟.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115