«كيرتاج» ومسرح المضطهدين: لنا المسرح لنقاوم وننقد

المسرح التزام، المسرح ايمان بالحق في الفعل الثقافي ودفاع مستميت عن حق أبناء الجهات في الابداع، المسرح عندهم

مطية للعيش للحلم للنقد والقول «لا» لكلّ من يريد حرمانهم من حقوقهم، المسرح التزام بحقوق الانسان وقضاياه العادلة، المسرح في فضاء منيرفا تياتر مطية للابداع و النحت في حجارة التصحر الثقافي الذي تعيشه تلك المنطقة واريافها وكل احوازها ولانّهم يؤمنون بحق ابناء الداخل في المسرح انكبّ فضاء منيرفا تياتر الذي يشرف عليه المسرحي مقداد الصالحي على تقديم مجموعة من التظاهرات والورشات و مختبرات المسرح لأطفال حيّ الملاجي وكلّ احواز سبيطلة واريافها يعملون في صمت لتحقيق مقولة لا مركزية الثقافة.

نظرا لتواجده وسط حي شعبي وإيمانه باللامركزية الثقافية شرع فضاء مينرفا تياتر في إنتاج عمله المسرحي الأول في قطاع الهواية ضمن مشروع «مسرح المضطهدين و التوعية من مخاطر الهجرة السرية» وقد لاقى هذا المشروع الفني تمويلا من قبل السفارة الألمانية ضمن برنامج الثقافة للجميع لسنة 2018 حيث وقع اختياره صحبة أحد عشر مشروعا من كامل تراب الجمهورية . وقد عمل الفضاء على تكوين عشرة شبان هواة بسبيطلة لإنتاج العمل المسرحي « كيرتاج » ليتم على إثر ذلك عرضه في العديد من الفضاءات الثقافية بالجهة وببعض الولايات المجاورة ...

كيرتاج المسرح التزام بقضايا الانسان
«كيرتاج» عمل مسرحي ادمج ضمن مسرح المضطهدين وهو نوع من أنواع المدارس المسرحية الحديثة التي نشأت على يد البرازيلي « أوغيستو بوال «حيث يحاول هذا المسرح في تكوينه المختلف عن المسرح الكلاسيكي تأسيس علاقة جديدة وغير مألوفة بين الجمهور المتلقي و بين العرض المسرحي لأجل دفع العمل المسرحي نحو الحل الاجتماعي الذي يطرحه مسرح المقهورين ألا وهو تغيير الواقع وليس التماهي معه.. حيث سعى العمل المسرحي « كيرتاج » إلى الخوض في ظاهرة الهجرة الغير شرعية مسلطا الضوء على هواجس الشباب ومشاكلهم التي سعوا جاهدين للبحث لها عن حلول بديلة خارج حدود الوطن.

عند الغروب وفي غفلة عن الأعين يصعد الشبان القارب الصغير وهم محملون بالقليل من الزاد والأغطية البسيطة وبالكثير من الآمال والأحلام التي تكاد أن تثقل كاهل «الشقف ».. وتستمر المفارقة كامل مراحل الرحلة حيث تتغلب عزيمة هؤلاء الشبان على العتمة الحالكة لتنير حدقات أعينهم الحالمة الظلمة الدامسة وتستحيل العتمة إلى منفذ من نور يحملهم نحو دروب الحرية اللامتناهية... ويشرع الجميع في الغناء والهتاف ما عدا الطفل « أمين» الذي لم يتجاوز سنه الثالثة عشرة والذي أصر على العودة إلى حضن أمه حيث يتفاجأ الرايس بوجود ه ويأمره بالنزول من القارب لأنه لم يدفع أجر الرحلة .. مما يثير غضب « الحراقة « الذين حاولوا منعه والتصدي له لكن « الرايس « يصر على موقفه بضرورة تطبيق «قانون البحر» ويرمي به أخيرا في العمق دون مبالاة بتوسلاته وببكائه الحارق وحنينه لأمه وللديار.

المسرح وسؤال ينطلق من عمق الواقع وماساته
«كيرتاج» عمل مسرحي نقدي، عمل ينطلق من سؤال عن بؤس الواقع وتعاسته، سؤال عن الحقوق في هذا الوطن، عن الاحلام، عمّا يدفع بالشباب الى «الحرقة» وركوب البحر والمجازفة بالحياة، ممّ يهرب هؤلاء الشباب وهل البحر أرحم من الوطن؟ اسئلة بائسة عن احلام تقصف تطرح في «كيرتاج».

وتستمر الرحلة وسط صمت رهيب تشقه شهقات الطفل أمين الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة مرددا كلماته الأخيرة « نحب على أمي»... يتوغل القارب في البحر ويتناسى الجميع الحادثة ويستمر الأمل الزائف.. ولكن تشاء الأقٌدار أن تهب عاصفة هوجاء تشق عباب البحر وتداعب شقوق القارب البسيط الذي سمح بتسلل المياه الى أرجاء «الشقف» بتسلل الشعور بالخوف إلى قلوب الشبان ويعلم الجميع أن الموت محتوم.. ويحتدم الصراع بين البحر و بين عزائم الشبان هؤلاء الشبان الذين دفعتهم الأقدار الى الخوض في ملحمة حرب غير متكافئة القوى وتتأجج الذاكرة بتأجج حنينهم إلى الديار وأرضهم الطيبة ووطنهم الذي يعاني من مفارقات صارخة فبالرغم من أنه مهد الثورات وبلد الحريات إلا أنه يعاني من الظلم والقمع السياسي والفساد الاقتصادي والاجتماعي .. . فالكل يعود بذاكرته الى الوراء و يلهب الماضي بأوجاعه بما في ذلك الشاب الفنان الذي لاقى حلمه بالفن الصد والتهميش.. وكذلك الكاتبة المسرحية «غفران» التي تعرضت الى الاعتداء بسبب كتابتها لنص مسرحي قد انتقد بعض وجهاء الدولة ..ونور الذي يعاني من القصور الكلوي ولم يتحصل على التغطية الاجتماعية .. و هنيدة الشابة مجهولة النسب التي عانت أزمات نفسية بسبب تعرضها إلى مشاكل اجتماعية سببت لها أزمة وجودية دفعتها الى السفر خارج حدود الوطن للبحث عن الذات .. و كذلك الأستاذ أحمد الذي تحصل على التخرج ولكنه لم يجد عملا يضمن له العيش الكريم وشيماء التي اضطرت الى بيع المواد المهربة والممنوعات لتغطية حاجيات أسرتها الفقيرة وعلاج والدها المقعد .. و» الرايس « الذي انضم إلى تنظيم معين وسافر الى بلد عربي قصد الدفاع عن حقوق الإنسان ولكنه صدم بوجود جرائم انسانية بشعة يقوم بها أفراد هذا التنظيم ضد شعبه مما يدفعه إلى الهروب والتخلي عن الجماعة ويدرك أخيرا أنه كان ضحية أفكار مغلوطة .. ولكنه يفاجأ عند عودته الى الوطن انه اتهم بالإٍرهاب ويعطل على العمل مما يدفعه الى المتاجرة بأبناء بلده عبر تهجيرهم من الوطن خلسة .

«كيرتاج» صراع الانا والاخر، صراع الحلم والموت
تتعدد شخوص هذا العمل المسرحي بتعدد نقائص هذا الوطن حتى أن ثقل وزن هؤلاء « الحراقة » يتلاشى أمام هموم الوطن التي زادت في إغراق القارب و شده نحو القاع المظلم ..ويسود صمت رهيب يقابله صوت الأمواج الغاضبة وجنون البحر .. يغني الشاب أمين أغنيته التي تثير الحماسة وتوقد لهيب التحدي .. بحر الكذاب وتكذب يابحر الكذاب يجيك نهار يصفى الحساب .. روما يا روما نوصلك حتى بالعومة ومانعيشش ها العيش المشومة في بلادي الحلمة مردومة .. كي نويت الحرقة خرجت عل أمي بالدرقة وفي قلبي غصة وشرقة زيد على فرقة الأصحاب ..، ولكن الغلبة تكون في الأخير للبحر فتنهار العزائم بانهيار القارب ويضطر الجميع إلى مصارعة الأمواج ومواجهة الموت المحتوم ... وتنتشر الجثث بانتشار أوجاع الوطن الذي يعاني حالة إجهاض متكررة تنتهي بموت شبابه في البحر جراء ما يعانيه من تدهور اقتصادي واغتراب ثقافي وسياسي واجتماعي .

ويمكن القول بأن « كيرتاج» عمل مسرحي يندمج ضمن مسرح «المضطهدين » يقوم بالأساس بالتوعية ضد الهجرة السرية بهدف البحث عن حلول جذرية لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة التي تؤدي إلى استنزاف الطاقات الشابة وما يميز هذا النمط المسرحي أنه يقوم بـتشريك الجمهور المتلقي ويسمح لهم بإدلاء بالآراء ومن ثمة يحقق ثورة نوعية و حقيقية فوق الركح كما أنه يسعى إلى إدماج بعض الشبان الذين حاولوا الولوج في الهجرة السرية كممثلين في هذا العمل الفني ، ليعلمهم أنه في هذا الوطن وعلى هذه الأرض الطيبة ما يستحق الحياة ..

«كيرتاج» عمل مسرحي شمل سينوغرافيا متميزة وفلسفة عميقة من الأضواء والديكور والملابس التي لامست الواقع وبحثت في جوهرها عن الحلول بطريقة سلسة لا تخلوا من الجمالية والإبداع والفن.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115