في ماعون واحد» كذا قال ابراهيم الكوني في روايته «السحرة» وكذلك كان السبعة فرسان على الركح انصهرت دماؤهم واتحدت انفاسهم وتماهت اجسادهم ونسجوا ملحمة موسيقية وانسانية غاصت في الصحراء بلباسها وحيوانها وحفيف افاعيها وسم عقاربها ورقصة صقورها تماهوا فكانوا جسدا واحدا وليس سبعة.
عبد العزيز التواتي و حسن المي واحمد الطايع من العاصمة تونس ومحمد وسام كريدان و محمد علي طاهر من قابس ومحمد الزحافي من تطاوين واشرف بالحاج مبارك من سوسة كتبوا بالايماء والرقص ملحمة مميزة اشرف على قيادتها المخرج حافظ زليط، غاصوا في الصحراء بأجسادهم وحملوا المتفرج في رحلة الرقص التي رسم ملامحها الجسد.
عروق الرمل وتماهي الذات
سبع لوحات عن الحياة في الصحراء، ضوء اصفر، في الركن فانوس يبدو كقمر يضيء ليلى الصحراء، حفيف ريح يشتد وكلما اشتدت الرياح الا وسمع المتفرج نشيجا مكتوما ربما صوت حيوان يابى الرياح ومعه ينخفض ضوء القمر حد الخفوت، بعدها تخرج الاجساد تتدحرج هلى الركح قوام الحركة اليدان والرأس وتتزايد سرعتهم كلما زاد صوت الريح، لوحة اولى تمهد للجولة في صحراء حاظ زليط، الصحراء ذاك المكان الذي نظنه ارض موت ولكنه يخفي بين كثبانه ارواحا مشتعلة وملتهبة الى الحياة وكما صفرة الرمال الذهبية كذاك ارادة الجمال عندهم.
الى هناك حيث تبلغ وحدة الأشياء أوجها و كل شيء يأنس بالآخر ذلك أن الإنسان يأنس بالنجوم، والكواسر تأنس بالصّخور، والرّمال تأنس بالماء الى حيث يصبح الإنسان أكثر قربا من ذاته وكأنه يتأكد من وجوده على صفحة مرآة كبيرة حيث يدقّق النظر، ويصغي الى دقات قلبه» الى المكان الذي ندمن فيه معرفة ذاتنا و المكان الذي نتماهى فيه مع انفسنا ونكون كمرأة تعكس حقيقتنا الى الصحراء بكل جزئياتها حمل السبعة راقصين جمهور دار الثقافة ابن زيدة لرحلة عنوانها «رحلة المتعة و الخلود» رحلة انطلقت مع نغمات الناي وهل هناك الة تقدر على مجاراة حزن الرمال وغضب حيوانات الصحراء كتلك الألة؟.
«عروق الرمل»، بثلاث نقاط فوق حرف القاف، هو محاولة تماهى مع الصحراء ذاك الفضاء الممتد الشاسع،التّجوال في فصول عرض راقص معاصر تتراكم فيه طبقات التاريخ الثمودي وجماليات المكان وتنوّع ألوان الحياة على رمال الصحراء وفي شقوق صخورها ليؤكد العرض أنّ الصحراء تضمّ في أغوارها أسرارا لحضارات مضت وقد آن لنا ان نكشف عن أعماقها وخباياها وبأجساجهم حاولوا ان يقدموا جزء من عالم منسي لم ينبش في معلمه بعد.
تواصل حبات الريح تكورها ودورانها ويتواصل صفير الرياح فلوحة ثانية لونها اشد صفرة، لوحة تخرج فيها الحيوانات من اغوارها، ثعبان يتلوى يحرك يديه بعيون ثاقبة يبدو محمد علي طاهر اصغر الراقصين كثعبان حقيقي ثم يبدأ صراع مع :الورل» الذي يرى انه سيد المكان، نظراته شرسة وصوته مخيف يصارع الثعبان في رغبة للبقاء و صراع اخر بين الصقر و الحبارة، اذ يستأثر الحيوان بمكانة واضحة، فالجمل و طائر الحبارة والورل و الأفعى وحيوانات الصحراء الأخرى دائمة الحضور وتقوم أحياناً بأدوار رئيسية، إذ تنعدم صلة الانسان بالانسان، فلا يجد المتفرج أمامه إلاّ التواصل مع الحيوان.
علاقة الانسان بالانسان، فالعلاقة بين «الطبيعة» و«الثقافة» حاضرة في صميم العرض. علاقة تأخذ مرة شكل انفصال عنيف، وتأخذ مرة أخرى شكل اتصال حميم. وهو عالم حركي التواصل، ما زال يحيا وسط إطار قوامه الدفء الانساني الذي تتقاطع فيه صور متضادة ومتعارضة من المفاهيم والمنظورات والتطلعات.
ثم صراع اخر مع الانسان، فعروق الرمل هي تراجيدية البقاء وميثيولوجيا الحياة قوامها نقل الصراع بين الروح والجسد، صراع البقاء و الفناء القوي والأقوى.. الانسان والحيوانات، صراعات نعيشها ونعايشها ربما لا نعرف جزئياتها وباجساد الراقصين قدمت مفصلة ودقيقة.
ارقصوا وانثروا معالم الفرح
عندما يُسرج الجسد و يملأ خياله بالعتاد ويشرق حيث تغرس الشمس أنيابها و يعزف الجن على ربابته.. غير مبال بالريح التي تُقشّر الوجه والرمال التي تفحّ بالموت، والصمت الذي اكتسته الوهاد والسفوح.. مستمتع بالفجر الذي يولد صوفيا مبلّلا بالنّدى.. مغمسا باللّذة وبوشوشة الكائنات المطلّة من الشقوق والمخابئ. اللائذة وراء الشجيرات والنتوءات الصخرية، عندما تتحد الروح والجسد، حينما تتماهى الأجساد لنصبح كتلة واحدة ونفسا واحدا نظرات متشابهة وعنفوان متقاسم حينها اعلم انك في صحراء «عروق الرمل» تنساب مع شرايين فرسان الملحمة السبعة الذين عشقوا العمل فانصهروا في موسيقى الجنوب و اتحدوا مع أغاني الرديف والجنوب الشرقي وأصبحوا لحنا حزينا يصدره الناي، سبعة كواحد على الركح اتحدوا وتماهوا فكانوا سحرة سحروا الجمهور في قاعة ابن زيدون لدرجة أن علق احدهم بالقول «عرض عالمي لم لا نجده في افتتاح مهرجاناتنا الدولية»؟.
هم مجاهدون، جاهدوا بعرقهم ووقتهم وجسدهم نحتوا من رمال الصحراء اجمل ملحمة، صاغوا من حفيف الاشجار تيجانا وضعوها على رؤوسهم وصاغوا من جلد الثعبان جنة صغيرة عرفوا كنهها وتذوقوا حلاوة روحها.
العرض هو جهاد جماعة شباب اختاروا الرقص فنّا و لغة لأجسادهم، بوجوههم الورديّة التي استردتهم الصحراء وخطفتهم قبائل السحر المكاني وسيطرت على حواسهم ونظرهم، ونسبتهم الى ارباضها وفجاجها، وحملتهم بوحيها البريء وصمتها الخالد، وغموضها الشفيف و شغبها الجميل و أسكنتهم عرائش الأتربة و مغائر الضواري.. فقبلوا هذا المصير فكانوا رائعين وهم يقدمون «عروق الرّمل» فمضوا وراء آفاق هذا الصهيل للرياح و السّراب مع امتدادات الرمل المتقافز، والجبال البعيدة التي تخطف العيون والأقدام وكتبوا بإقدامهم اجمل اثر في عمل سيكون عمل العام حتما كما قال المتفرجين.
وكانت عروق الرمل كما الصحراء قد يظنها المتفرج محدودة جغرافيا ومسطحة الابعاد و لكنه كلما غاص فيها وجدها بلا حدود
صحراء حية روحها تناشدك البقاء، فما الوجود ، الوجود ان كان بلا روح صحرا، والصحراء بحضور الروح فردوس، وحركات الراقصين كانت كمن يتجول في الفردوس.
ساعة من الغوص في خبايا الصحراء رحلة اتحدت فيها معالم الجمال ماكياج محمد التومي المميزة وسينوغرافيا الطاهر حراث التي تدفعك الى حلم وأجساد فرسان الملحمة الذين شدوا نتباه المتفرج والمسؤولين، فرسان تميزوا في الاداء وكتبوا بأجسادهم ملحمة انطلق شذاها من عبق الصحراء، صارعوا رمالها و سافروا مع رياحها لم تتعبهم اشعة الشمس الحارقة ولا برودة ليالي الصحراء.
بشرى الوسلاتي المشرفة على تظاهرة رقص وايقاع
نوادي الرقص اكثر النوادي تجلب الرواد
في تصريح لـ«المغرب» أكدت السيدة بشرى الوسلاتي المشرفة على تظاهرة «رقص وايقاع» ان التظاهرة في دورتها الاولى وطنيا بعد دورة فارطة اقليمية هي اعتراف باهمية لغة الجسد الصامتة وقدرتها على التعبير، واشارت محدثتنا ان أكثر الفنون استقطابا للشباب هو الرقص فاغلب منخرطي النوادي ينخرطون في نوادي الرقص، واشارت ان الملتقى حلم وليد يريدونه لاكتشاف راقصين نسيهم الاعلام وان وقت ظهورهم للجميع، واشارت ان الملتقى في دورته الحالية يجمع العديد من الشباب من ولايات مختلفة جمعهم حب الرقص و استنطاق لغته الصامتة.