التي انتظمت كامل أيام المعرض ومست علاقة الكتاب بكل مجالات الإبداع مؤسساته وهياكله. وتمحور اللقاء الذي أداره الطاهر بن قيزة مع كل من منجي البورقو وهاجر إدريس وعبد السلام العيساوي حول موضوع «الكتاب العلمي بين الفضاء الجامعي والفضاء العام».
في بداية الندوة تحدث الدكتور «منجي البورقو» في مداخلة بعنوان «الكتاب العلمي إنتاجا وترويجا بالبلاد التونسية: الواقع والرهانات» ولاحظ أن الكتاب العلمي في تونس لا يحظى بالمكانة التي تليق بمقامه من حيث الإنتاج أو الترويج. وأضاف «لا يعود ذلك إلى ضيق السوق وقلّة اهتمام جمهور القراء به فحسب، وإنما إلى إعراض المبدعين ودور النشر عن هذا المنتوج الذي لم يدخل في تقاليد المكتبة التونسية بعد ويحتاج إلى تفكير عميق لتحسس المواضيع التي تشغل بال جمهور القراء، وإلى إيجاد السبل الكفيلة بإيصال هذا الكتاب».
وتوقف «البورقو» عند معنى الكتاب العلمي متسائلا إن كان هو الغني بالمعرفة أو الذي يتناول مادة علمية بحتة علما بأنه يوجد 16 نوعا من الكتب العلمية تعنى بالعلوم الإنسانية كالبيولوجيا أو المتعلقة بالكون وبالخلايا وغيرها...
وفي تقديمه لمركز النشر الجامعي أشار إلى أنه ينشر بمعدل 100 كتاب في العام وأن التجربة بينت أن الكتاب كلما صغر حجمه وتضمن صورا بيع أكثر من غيره وكذلك كلما التصقت الكتب بالبرامج التي ترتبط بالجامعة أو بالثانوي كلما كانت أكثر رواجا. ويتوجه المركز حاليا نحو الإبداع في القصة والرواية للوصول إلى أكثر ما يمكن من القراء.
وفي مداخلتها تحدثت الأستاذة «هاجر بن إدريس» عن «عزلة الأكاديمي نحو كتاب جامعي مفتوح» وقالت إن أوجه هذه العزلة وأسبابها تتجلى في مظاهر عديدة ومختلفة من بينها العزلة الاجتماعية حين ينغلق الباحث على نفسه لتصبح حياته تدور فقط في فلك القراءة والكتابة. والعزلة المعرفية في بلد يفتقر إلى التكنولوجيا أو آخر ما صدر من المراجع. والعزلة الاقتصادية حين لا يجد دعما ماديا لتطوير أبحاثه..
وفي حديثها عن الكتاب العلمي توقفت «هاجر بن إدريس» عند ثلاثة مظاهر أخرى تمس «الكتاب العلمي بين الفضاء الجامعي والفضاء العام» وهي عزلة الدارس وعزلة الباحث وعزلة البحث. وهي حلقات مترابطة إذا اختلت إحداها تداعى ما بقي منها. وقالت :»من الصعب الحديث عن كتاب علمي نشيط يربط الفضاء الجامعي بالفضاء العام دون الرجوع والوقوف على الحلقات التي سبقت إنتاج هذا الكتاب. فعلاقة الدرس بالباحث والبحث تحكمها ممارسات وتوجهات أكاديمية من شأنها أن تعزل أو أن تفتح قنوات تواصل مع الفضاء العام».
ونقيضا لرأي «هاجر بن إدريس» يرى «الطاهر بن قيزة» أنه «لا بد من انزواء الباحث عن الفضاء العام ليتمكن من العمل وكلما اختلط العلماء بالفضاء العام تغلب عليهم هذا الفضاء».
من ناحيته أشار الدكتور «عبد السلام العيساوي» إلى أن الفضاء ثلاثة أنواع: الكتاب فضاء ذاتي يحمل مجموعة من التصورات والمعارف يكتب في فضاء يؤثر حتما ويلقى في فضاء ثالث ليتحاور ويتفاعل معه بشكل من الأشكال. وقال «نحن نربط الكتاب العلمي بالفضاء الجامعي، والفضاء العام نحتاجه في كل إبداع لأن الكاتب لا يكتب لنفسه، وهو أيضا يكتب وفي ذهنه مراقب آخر وبذلك تنشأ التأويلات والنقاشات».
وقال عبد السلام العيساوي أن الجامعة هي التي يجب أن تحدد التصورات والاستراتيجيات الكبرى للثقافة في البلاد وعليها ألا تنفصل عن المحيط العام للمجتمع وهي المؤهلة أكثر من غيرها لهذه المهمة. وفي حديثه عن السلسلة النشرية التي يشرف عليها أكد أنه يحاول التوفيق بين الكتاب والمتقبل بمعزل عن رصيده المعرفي واستعداداته التقبلية. وذلك حسب استراتيجيّات تم الاعتماد فيها مع الكتّاب الباحثين على سياسة تطويع المعلومة اللسانية للمتقبل في الفضاء العام بمنأى عن تخصصه وثقافته وتكوينه.
اختتام المعرض التونسي للكتاب
المسعودي: ما أكتبه لم يأت من الفراغ
اختتمت الدورة الأولى للمعرض الوطني للكتاب التونسي مجالسها بلقاء مع «عبد الحليم المسعودي» حول «المقال»، نشطه «سمير بن علي» الذي أشار إلى رصيد «المسعودي» من المقالات التي تقدم معطيات محكومة بمنهجية وتستند إلى مراجع فكرية تجعلها مختلفة عن السائد.
وقد استصعب «عبد الحليم المسعودي» الحديث عن نفسه، وهو باحث جامعي مختص في المسرح، وإعلامي قدم برامج ثقافية هامة ويشغل الآن منصب مستشار لوزير الشؤون الثقافية، وقال إن كبار الفلاسفة والمفكرين جربوا هذا الجنس أي كتابة المقال أو المقالة وهي الترجمة التي يفضلها لما يعرف باللغة الفرنسية «essai» وأكد أن «المقالة» لها مكانة هامة عند «إخوان الصفاء» وهي فن راسخ له ضوابطه
وقال «عبد الحليم المسعودي»: «ما أكتبه لم يأت من فراغ. نحن امتداد لأجيال سابقة كتبت المقال باللغة العربية في الصحف التونسية في زمن صعب. هذه المقالات أصبحت مراجع استعنت ببعضها عند إعدادي للدكتوراه في المسرح التونسي من بينها مقال كتبه «حمادي الرديسي». ويرى «عبد الحليم المسعودي» أن جيله كان محاصرا بالكثير من المعطلات أهمها الرقابة الذاتية التي يراها نتاج الرقابة السياسية فكان صعبا خلق أساطين الرأي
وأوضح «المسعودي» أن نقل الخبر سهل، لكن الرهان يكمن في صياغته صيغة جمالية تستند إلى المعرفة والمراجع الفكرية، وأضاف «يمكن لأي أمر يبدو تافها أن تجعله بالغ الأهمية، يكفي أن تستدعي له المرجعيات الفكرية لتناقش من خلاله المسائل التي تتعلق بالمجتمع وبالفضاء العام»،
واعتبر «عبد الحليم المسعودي» أن «عادل خذر» أحد أهم كتاب المقالة في تونس اليوم، لأن مقالاته مكتنزة بالمعرفة ومثله «مختار الخلفاوي»، و»شكري المبخوت».