مسرحية النجدة إنتاج مركز الفنون الركحية والدرامية بقفصة: ملحمة الجمال والإبداع...اعملوا ولا تنتظروا قدوم الأنبياء

ملحمة مسرحية وموسيقية و معنوية، ملحمة الجمال والإبداع تلك هي سمة عرض «النجدة» انتاج مركز الفنون الركحية والدرامية بقفصة، النجدة مسرحية تماهت فيها كل عناصر الجمال فاتحدت الالوان الجميلة مع الموسيقى الساحرة وإبداع ممثلين بدوا كأباطرة على الركح عاندوا الصخر وحاكوا

الحيوانات والطبيعة فتماهوا في قصة جمال كتبتها سوسن الذوادي وأخرجها محسن الادب بمساعدة وليد بن عبد السلام.
النجدة ملحمة صنعها حمزة بن داود وكمال بوعزيزي و حسن ربح ومنصور بن زينة و اسامة فرحات وقليعي الحراثي ومحمد السعيدي وايمان مماش و ياسمين صمود وعواطف مبارك ورندة عامر.

اتحدت كل مقومات الجمال لتقدم ايقونة فنية
موسيقى هادئة، ضوء اصفر مقلق، صورة معكوسة على الشاشة لارض جرداء اشجارها مقطوعة ومنزل مهدم البنيان ودخان يتصاعد في المكان، صورة عن ارض مشوهة، حجارة على الركح ونملة في الركن تحاول سرقة بعض الالحان من مزمار، و زهرة تتراقص بتلاتها مقصوفة فقط بقايا وردة، صوت حزين ينتشر في المكان لنعرف ان ابطال الحكاية حيوانات عانوا من التلوث ويريدون الاجتماع علهم يجدون حلا لانقاذ الارض وانقاذ مابقي منهم .

يعلو صوت الصفير وتزداد الصفرة وتزداد معها الحركات المتوجة للوردة المتألمة التي تقمصت شخصيتها الرقيقة والهادئة التي ينتظر منها التمثيل الكثير ايمان مماش، حركاتها كطفل صغير اختنق فتحركت يداه وقدماه بطريقة عشوائية بحثا عن بعض الهواء، او هي نبتة اشتاقت الى الماء فاشرأبت لتعانق بعض رذاذ تساقط علها تعيش.

على الركح ترقص النملة تتحرك بعنف وغضب داخلي على الانسان والتلوث، النملة قائدة المجموعة ، النملة العاملة جسدت شخصيتها الممثلة الجميلة والعنيدة عواطف مبارك، تحادث احد الحيوانات وتقول «اني اسمع اصوتا غريبة، يا صديقة دربي المديد اظن ان الحيوانات جاءت لتلتقي وتجد الحل».

تتغير الموسيقى ومعها الضوء من أصفر الى أحمر كدم قان يسيل على الارض وتدخل الحيوانات تباعا تخرج من كل اركان القاعة مشوهة وممزقة فراشة محروقة الجناح، و فيل دون انياب و سلحفاة على كرسي متحرك واسد يعرج بساق واحدة و زرافة تمشي بالعصي وعقرب دون سم شحيح، حيوانات مشوهة جمعها الهدهد للبحث عن حل لعلها تنقذ الارض من دمارها.

أبدع الممثلون في تجسيد شخصيات الحيوانات ، فهاهي الفراشة منال بن سعيد الحسّاسة كطفلة ،ومعطاءة كالأرض تناشد الوردة ان تعطيها قليلا من شذاها، تراقصها فتتمنع الوردة وتتمايل رافضة لان رحيقها الاخر مشوه وملوث.
وهاهو الاسد قليعي حرّاث الأسد القوّي النقي الصادق يزمجر ويعاند اللون الاحمر و يسأل كيف للانسان ان يجعله وهو سيد الغابات بساق واحدة.

على الركح تحرك الممثلون في عنف حينا وهدوء حينا اخر عاندوا الالوان والصور المجودة في الشاشة، لكل مشهد قصته ولكل قصة مقوماتها ، ولكل ممثل طريقته الخاصة في الحركة، تتواصل لعبة الضوء والموسيقى في انتظار مجيء الهدهد الذي تخلف كما تخلف هدهد النبي سليمان، وفجاة يطل الهدهد المنتظر، يسير على لوح يكاد يطير، المبدع الخلاق محمد السعيدي الذي بدا كهدهد حقيقي لدرجة ان قال احد الحضور “اعتقد ان في العرض العاشر سيطير الممثل فعلا”.
عودة الى الهدوء فموسيقى رقيقة وفجأة تتحرك الصخرة التي ظنها المتفرج جزءا من الديكور اتضح انها ممثلة هي العنيدة والصبور ياسمين صمّود التي اعجب بها الكل فطيلة ساعة تتحرك كما الحجر وتجلس القرفصاء لتبدو كحجر حقيقي، ياسمين ابدعت ونحتت في الصخر لتكون من ميزات عرض النجدة.

هل ننتظر عودة الانبياء لإصلاح حال الارض
عديدة هي الرسائل التي وجهتها مسرحية النجدة، مسرحية موجهة للاطفال وأهمها ضرورة المحافظة على النظافة وحماية الطبيعة لانها مشتركة بين كل الكائنات الحية وليست ملكا للإنسان وحده.
في النجدة يطرح سؤال «هل أخطأ النبي سليمان حين طلب من الله ان يكون وحده القادر على فهم لغة الحيوانات» فماذا لو كان البشر كما سليمان يعرف لغة الحيوانات ويخاطبهم ويشعر بوجيعتهم؟ هل سيتغير حالهم؟ وهل سيكون الانسان اكثر رفقا مما هو عليه الان ؟ «النبي هو المسؤول فلو لم يطلب من الله معرفته وحده بلغة الحيوان لكنا أفضل فالنبي هو المسؤول كما قالت الحجارة.

وهل يعود النبي لتغيير الموجود ام للجميع القدرة على ذلك، على الركح الكل يدعو ويناشد سليمان العودة وفجأة ينبثق نور ابيض فشبح لرجل تقول النملة انه النبي جاء ليسمع شكواهم... يشكونه ظلم الانسان وحاجتهم ليتدخل عله ينقذهم ولكن النبي يختفي قبل ان يكملوا شكواهم فزمن الانبياء ولى والأنبياء لا يعودون كما قالت الفراشة، ليتفق الجميع ان يصلحوا شأنهم بأنفسهم دون انتظار المعجزات، هي رسالة للأطفال ليعملوا دون انتظار هبات الاخرين.
النجدة كوميديا موسيقية عنوانها ايقونة للجمال والتميز، هي منحوتة مسرحية جميلة تماهت فيها كل مقومات الفن واتحد الممثلون ليكونوا قلبا واحدا وروحا واحدة فقط ليبدعوا ويخبروا أن في المناطق الداخلية هناك مبدعون متميزون والمسرح غير غريب عن قبصة التاريخ والفن.

السينوغرافيا
هي «الفن الذي يرسم التصورات من اجل إضفاء معنى على الفضاء» وكذلك كان للسيغرافيا والالوان ميزتها في مسرحية النجدة، تتغير الالوان بتغير موضوع الحوار، وتختلف الموسيقى باختلاف الاحاسيس، النجدة كوميديا موسيقية اشرف عليها تقنية مجموعة من الشباب التونسي العاشق للفنون وهم محمد الناصر المولهي في الصياغة الشعرية واسامة العبيدي في الموسيقى ورياض توتي في الاضاءة و ملابس عبد السلام الجمل والفاضل الخنفوسي توظيب عام والاسعد حمدة موظب الصوت وبشير عثمان توظيب الديكور والاقنعة والسينوغرافيا لايمان العظيمي، جميعهم عمل ليكون «النجدة» مميزا وكان العمل كذلك.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115