أرشاق: الشّاعر نوري اُلْجرّاح يُــمزّق ذاتَ يده في الوَرَق ... ليقول مواجع الشّام الكونية كلّها

• اشارة أولى من «ديوان المرثيات»:
«دم من هذا الذي يَجري في قصيدتك أيّها الشّاعر»؟

• اشارة ثانية من «ديوان المرثيات»:
«أنَا لا أكْتب قَصيدةَ لكنّي أشمّ القَميص لأبْصر»...
• اشارة من أقوال الحاجة أم الوحيد موسى:
«هَا يَمّا ودْعيني قبل ما أروحْ ما تَدْري بِعثَْراتي وأنا أروح ما صَبرْ صبْري لا يوسف ولا نُوح ولا أيّوب...».

(1)

نوري الجراح شاعر و الشّعر يُحسّ أوْ لا يُحس .وأنا أحسست بهذا الشعر وانه من الأشعار التي كتبت لي ..
نوري الجراح شاعر ينزف في هذه « المرثيات الأربع « بعناوينها الدالة :
«يوم قابيل والأيام السّبعة» و«يأس نوح» و«أكتب قلبي» و«مراثي هابيل» . مراثٍ تليها ضَميمة «أنشودة الراجع من الكهف».

(2)

كيف يمكن لي - وإن على عجل - أن أقارب هذا المنْزوف به شِعرا لأقترب منه ؟ وهل هو بعيدٌ عن هواجسي وعواطفي «المعْطوبة» في الجغرافيات الموجوعة لأسافر اليه ؟ الشّعر يُحسّ أوْ لا يُحس .. إني أدرك أن مثل هذا الشّعر الذي يَجْترحه نوري الجراح يُحسّ قبل أن يُفهـــم ... ويُعاش بكل الجوارح والأعْضاء والمُخيلة والخيال والذاكرة أيضا وأيضا بعيدا عن مشارط التأويل الأكاديمي الذي لا يَخرج في الغالب الأعمّ من بين يديه نصّا حيّا يتنفس ويــرقص ان حُزنا أو فَرحا . يُعاش هذا الشّعر في «زمنيته» هو لا أن يُفرض عليهِ زمن غير زمنه الخاص زمن السيد الشاعر في هذا «الديوان» إنما هو زمن يمكن لي تسميته «زمن استنطاق ايكولوجيا الدم» . زمن البحث عن «المَعنى» الذي يقترن «بالمحنة» والمحنة تقترن بالسؤال والسؤال يقترن بضياع البوصلة . البوصلة العاطفية والمعرفية ... وليس صدفة أن يدشن السيد الشاعر نوري الجراح ديوانه (2015).
« بيوم قابيل والأيام السبعة( 2011 /2012) يُدشّنه باستحضار سؤال حاسم يجوب بصيغ مختلفة كل المَتن الشّعري السؤال هو:
«دم من هذا الذي يجري في قصيدتك أيها الشّاعر ؟» هكذا يقول السيد الشّاعر مُخاطبا نفسه حين ترقّ فتَشفُّ فتذوب أقول له بكل ألم « أنه دمك يزف لك ويسْتصرِخك». يمضي الشاعر مُوغِلاً في حُزنه «الحكيم» ومُتوغلا في وصف حال وأحوال الذات الجَريحة:

« عمياء قَصيدتك
وصَوتك أعْمَى
لكنّ الهَواء يُهَدْهِدُ السّهْلَ والعُشْب
يَهْمِسُ للقَتيل ..» بماذا يمكن» أن يهْمس الهَواء للقتيل «.؟

ان الهواء الأثيري يهمس «للقتيل» بكلّ سيناروهات الخَراب المقيم و«خيبات الهارب» ولم ينْجو السيد الشّاعر ولم ينْج نفسه منْ جغرافيا التمزّق النّفسي والأنطلوجي / الوجودي اذ يُعلن هذا «الكوجيطو الشعري» الذي لنوري الجرار أكثر من مرة عن المكونات الجينيالوجية / النّسابية لهويته الرّجراجة المُوغلة شَطَطيًّا في ذاكرة ملحمية . ذاكرة الدم والألم اذ يقول بنغمة لا يخلو من وجعٍ صوفي كما الذي كابده السري السّقطي وأن كانت هي الأوجاع تُعاشُ ولا توصف يقول اشاعر «المرثيات الأربع»:
« أنا لاَ أكتبُ قصيدةً لكني أمزّقُ

يدَي في الورق»
ان في هذا «الديوان» لمعجم وجع مربك للروح قاتل . موجعه هذه المرثية الاولي كما سائر المرثيات كأنما هي مكتوبة بدم الوريد .. مكتوبة بدم نازف من المعاصم المحزوزة للتو. كأني أشتم الآن رائحة الدّم «دم من هذا الذي يجري في قصيدتك أيها الشاعر ؟» كم هو موجع هذا السؤال :

دم في المديمة / دم في البلديات الصغيرات في ريف الفقراء
دم على ثلم الفلاح / على سكة المحراث يشق جمجمة الغيبة
يقرأ طالع النّهار آه الدم كيف تورطت
وقرأت هذا الديوان وعند هذا الفجر التونسي ؟
دم من هذا الذي لطخ يديك و كلماتك أيها الأعمى ؟

(3)

أنَا لا أكْتب قَصيدةَ لكنّي أشمّ القَميص لأبْصِر..هَكذا ينتهي «المَشْرع الشّعري» الأخير لمرثية «يوم قابيل» الذي صادف أن رافقني معه مدونة

أحزان أخرى بصوت سناء موسى:
طلت البارودة والسّبع ما طل
مع السلامة وين رايح

مع السلامة يا مسك فايح
مع السلامة وين بدّك
لأقعد على دربك...

لأقعد على دربك ...وأنتظرك
طلت البارودة
والسبع ما طل

يا بوز البارودة من دمو مبتل
طلت البارودة والسبع ما أجاش
يا بوز البارودة من دمو مرتاش
ما بيني وبينك سلسلة ووادي

وين رحت غادي يا أعز أحبابي
حمرة يا أصيلة وين رحتي فيه ؟

بباب السرايا علميني... تركتيه ؟
مع السلامة وين رايح ؟

مع السلامة يا مسك فايح
ولدي الحبيب هذي أمانتك.

ان كان الشاعر بهذه الرّهافة أعْمى فماذا يُقال عن سواه . تسلمنا المرثية «القابيلية» الى «يأس نوح» وهي المرثية الثانية والتي اجترحها السيد الشاعر نوري الجراح بين ( 2013/ 2014) فإلي جرح ومدار سوف يسلّمنا السيد الشاعر ؟ سلام ووردة الى حين عودة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115