برمجته المختلفة سيقدم للاطفال يوم 3 أوت مسرحية «سيدة القلوب» لمركز الفنون الدرامية والركحية بقفصة بادارة الاستاذ الهادي عباس، وهي من الانتاجات الهامة، التي لاقت رواجا خلال مختلف المهرجانات والتظاهرات الثقافية.
مسرحية «سيدة القلوب» تتطرق لمواضيع مهمة بصيغة معالجة لجملة من القضايا المتعلقة بالطفولة، باسلوب تربوي سلس هذا من جهة، ومن جهة اخرى مراهنة مركز الفنون الدرامية على المبدعين الشبان، على غرار المخرج المسرحي محمد علي أحمد الذي خاض هذه التجربة بكل ثقة في النفس، مستفيدا في هذا السياق من تجاربه السابقة في الانتاج المسرحي الموجه للاطفال وايضا بعض الاعمال المسرحية الموجهة للكهول، على غرار مشاركته الى جانب الهادي عباس في اخراج مسرحية «حديث لجبال». ومسرحية «سيدة القلوب» التي كتب نصها محمد الصالح عروس، واخراج محمد علي أحمد، تمثيل لطيفة القفصي ومنجي الورفلي، أمال بية، قليعي حراثي، وئام بن عمار، أحمد حمودي، جمال الذيبي، أسامة فرحات ومنصور بن زينة، سينوغرافيا إيمان الصامت إضاءة الفاضل الخنوسي وموسيقى صابر جمال.
لم يكن مقصد المسرحية الترفيه عن الأطفال والناشئة فحسب بل تم التركيز عليها كفن مسرحي تخاطب شرائح عمرية، لم يكتمل نموها، ولها تقلباتها ومميزاتها، ولها حساسيتها وهشاشتها، ولا تمتلك الآليات الكافية للفهم والتحليل ومن ثمة أيضا جاء التعامل مع هذا النص أو القصة العالمية بالتركيز على الوظيفة التربوية والتكوينية، من خلال التأكيد على قيم الصداقة والتضامن، والعواقب الوخيمة للظلم والاستبداد من خلال دور الفتاة زينب «أمال بية» وهي من اكتشافات وانتاجات ورشات التكوين المسرحي، التي دأب على تنظيمها مركز الفنون الدرامية، والتي أبهرت الحاضرين بأدائها المتميز وحضورها الركحي، رغم أنها لا تزال في بداية مشوارها في المجال المسرحي، والتي تتصدّى لظلم وقسوة سيدة القلوب «لطيفة القفصي» التي تعود إلى مركز الفنون الدرامية بعد غياب لانشغالها بالمشاركة في أعمال مسرحية أخرى مع مركز الفنون الدرامية والركحية بمدنين، وتقنع زينب المهرجين وبائع المظلات، والأرنب والقط وغيرهم من شخصيات المسرحية بضرورة كسر حاجز الخوف والوقوف في وجه سيدة القلوب، هذه الشخصية المتناقضة، التي تبدو في الظاهر طيبة القلب، ولكنها في الواقع شخصية محبة للهيمنة والغطرسة وتسعى إلى ترهيب الآخرين.
وقد اعتمدت مسرحية سيدة القلوب على الجانب العجائبي والصور السينمائية في بعض فصولها إلى جانب جمالية الديكور، وانسجام مكوناته مع الموسيقى والإضاءة مما زاد في نقاط قوتها التي ارتكزت على قدرات الممثلين، واللعب على هذا الجانب بعيدا عن الديكورات الضخمة وهو ما أخرجها عن النمطية التي عودنا بها مخرجو ومؤلفو المسرحيات الموجهة للأطفال.
ومن النقاط الايجابية الأخرى للمسرحية، ما ضمّن في سياق كتابة النصّ من إيحاءات واسقاطات على واقعنا المعيشي اليوم، وما يتميز به من مظاهر سلبية ولا أخلاقية، ومحاولات متكررة لقمع الحريات ومنها حرية التعبير عن الرأي، بأسلوب مسرحي عقلاني وبلغة عربية سلسة، لا يجد جمهور الأطفال والناشئة صعوبة في فهم مقاصدها، وما تهدف إليه. وهو ما نحتاج إليه اليوم في ظل ما تقدمه القنوات التلفزية، ومختلف وسائل الاتصال من برامج وأفلام ومسلسلات أثرت سلبا على تربية الطفل وعلى تكوين شخصيته لا سيما وأن أغلبها ناطق باللغة الأجنبية، وبالتالي فإن تأثير هذه المنتوجات الاعلامية على الأطفال يكون أقوى منه على الكبار، ذلك لأنّ الأطفال لم تتكون لديهم القدرة على التمييز بين الحقيقة والخيال. ومن هذه المنطلقات جاءت أهمية مثل هذه الأعمال المسرحية، التي داب مركز الفنون الدرامية على انتاجها، ومنها مسرحية النجدة، ثم مسرحية سيدة القلوب، وهي أعمال تقدّم الكثير للأطفال، وتغني حياتهم وتثري خبراتهم، وتزيدهم إمتاعا وتعلّما، وتراعي حقوقهم كفئة لها خصوصياتها السوسيولوجية والنفسية. وتخدم متطلبات حاجاتهم حتى يظلوا مرتبطين ببيئتهم ويتحملوا في نفوسهم واجب خدمتها والانتماء إليها.