بقابس فعاليات اليوم الثاني والختامي الندوة الدولية على هامش مهرجان قابس الدولي حيث تناولت موضوع المحظور في الرواية العربية بمشاركة كوكبة من الباحثين والروائيين من المغرب وتونس والجزائر..
شهد اليوم الثاني والختامي الجمعة عقد جلستين علميتين تضمنت مداخلات وشهادات متنوعة حيث أدار الجلسة الرابعة أ.مالك حمودة و مداخلات أ. سهيلة ميمون التي اهتمت بجماليات المحظور في الرواية الجزائرية ، «كولونيل الزبربر» للحبيب السائح نموذجا، أما ا. دبية دبية فقدم ورقة مطولة طريفة غاصت في المحظور في صورة قابس في أعمال محمد الباردي وخلصت إلى أن وظيفة الحناء رمزية ومكون سردي نجح الباردي الى حد كبير من خلاله في طرح جملة من القضايا التي شكلت نسيجا من المحظورات التي مثلت عبئا ثقيلا على جهة قابس و لا تزال هذه المدينة الصامدة تدفع الثمن وهذه الأعباء يرزح تحت ثقلها المثقف.. خصصت الجلسة الرابعة والختامية للندوة بتكريم واستذكار الراحل محمد الباردي و ادارها أ. لمين الجرادي وقدمت خلالها شهادات قيّمة ونوعية..
رحلة الباردي لم تنه في ظل حضور الاثر..
أمن المداخلة الاولى علم من أعلام الجامعة المغربية وهو الناقد شعيب الحليفي حيث غاص بطريقة مخصوصة في سيرة الباردي المبدع والناقد والانسان حيث اكد الحليفي ان الباردي ولد وحيدا وأوجد عالما كبيرا من أصدقائه وطلبته وأصدقائه في الوطن العربي مضيفا انه لم تكن تستقيم ندوة حول الرواية دون حضوره الشخصي أو انتاجاته كما لا يمكن فصل الباردي المبدع والانسان والناقد .. ثلاثية ترسخت بداية تسعينات،القرن الماضي حيث أسس مع مجموعة من أصدقائه مركز الرواية العربية بقابس وهي مغامرة شكلت فضاء مفتوحا لكل العرب وتحول الهامش الى مركز .. المشروع عند الباردي يصون الحياة والذاكرة إلى المستقبل وكان يوقظ الحياة في الرواية، كما أن رحلة الباردي لم تنته في ظل حضور الأثر في مختلف تجلياته ..
أما الشهادة الثانية فكانت بعنوان «الباردي بين التاريخ والأدب «أمنها
أ. محمد الخبو وانطلقت بالتاكيد على أن الباردي كان أكاديميا حد النخاع. وصاحب مواقف صارمة مع اقتدار في التدريس بالاضافة لكونه مؤلف سيرة ذاتية ومؤلفا مصطنعا ومجردا ، كما أن للراحل رؤية للعالم : بارديا صاحب مبادئ ، بارديا في الأدب يلعب بالمحظور في السرد و بارديا يبحث عن معنى للحياة، هذا وتمحورت شهادة أ. الصادق القاسمي حول الباردي روائيا ومثقفا واستعرضت سيرة الراحل من خلال اعماله الروائية ومواقفه المبدئية من القضايا الحارقة كذلك صرامته خاصة في الدراسات الأكاديمية ..لتختتم الجلسة بشهادة أ. بشير المدب بعنوان «محمد الباردي تقريظ الغائب» وهي استذكار وتابين للراحل وعودة الى تأسيس مركز الرواية وسيرة الروائي والناقد بوصفه شاهدا على أحداث قابس منذ خمسين سنة وحياة كلها عطاء وثقافة وحداثة...
وبالعودة لفعاليات اليوم الأول من الندوة فقد ادار الجلسة العلمية الاولى أ. بشير المدب ومداخلات أ. البشير التليلي التي تمحورت حول تعريف التابوهات، مقاومة المجتمعات البدائية لها وكيفية صنع المحظور في حين تناول بعمق الباحث المغربي سالم الفائدة في مداخلة تحت عنوان « الرواية العربية والمحرم « تجربة الرقابة على الرواية العربية انطلاقا من أعمال الرعيل الأول الذي طرق الموضوعات المحرمة (الدين والجنس والسياسة) وعيا منه بضرورة مجابهة وتفكيك البنيات السلطوية الفكرية والثقافية التقليدية وكذا من خلال استمرارية الروائيين المعاصرين يوسف زيدان وأحمد ناجب ومحمد شكري..وقد خلص الباحث في مداخلته إلى إبراز أهم مميزات رواية المحرم دلاليا وفنيا كما نبه إلى أن فهم قضية المحظور مرتبط باشكالية السلطة والمعرفة عبر التاريخ العربي...هذا وأدار الجلسة الثانية الروائي عثمان الاطرش وتضمنت مداخلة أولى للاستاذ احمد السماوي بحثت في موضوع الجنس من التأثيم الى الاباحة، قراءة في نماذج روائية وشهادة الروائي ابراهيم الدرغوثي تحت عنوان «عن المحظور في تجربتي في الكتابة الابداعية» ..
«الكرسي الهزاز» الرواية سفر للانوثة الجريحة والجسد المقموع
اختتمت فعاليات اليوم الاول بجلسة تحت ادارة أ. زهير مبارك ومداخلات أ. عبد السلام بوذيبة من الجزائر «استراتيجية الخرق للخطاب الديني في روايات امين الزاوي» ، أما مداخلة عبد المجيد بن البحري فقد وسمها بـ«سرديات الجسد المقموع والأنوثة الجريحة» وتناول فيها بالتحليل والتأويل رواية «الكرسي الهزاز» للروائية التونسية «آمال مختار». وقد وقف الباحث - في مستوى التحليل - على بنية المتن الحكائي للرواية وملامح تشكيلها السردي ليكون ذلك منطلقا نصّيا ينبني عليه الفعل التأويلي للقراءة. وقد بدا للباحث أنّ جماليات المحظور الجنسي في الرواية إنما تتجسد في مستوى الحبكة الروائية ذات العمق النفسي والبعد الوجودي، ذلك أن بطلة رواية «الكرسي الهزاز» تجسد الهوية الأنثوية القلقة المترددة بين «مبدأ الواقع» بإكراهاته وممنوعاته وقمعه لأشواق النفس ومطامحها في التحرر والانعتاق، و»مبدأ اللذة» بنزوعاته وهواماته وجنوحه إلى معانقة الحياة المشتهاة. وخلص الباحث الى ان قيمة رواية «الكرسي الهزّاز» لاتنحصر في ما ابدته من جراة على انتهاك المحرم والممنوع فحسب وانما تتجلى اساسا في طرائق التعبير الفني والتخييل القصصي فكانت بذلك الرواية سفرا للأنوثة الجريحة والجسد المقموع والعشق المجنون ..كما قدمت ا. امال مختار شهادة عنونتها ب» رواية الرواية، الكرسي الهزاز رواية سيئة الحظ»..
ندوة وإن تناولت المحظور في الرواية العربية ،فإنها شكلت منطلقا للاعلان عن ميلاد جائزة محمد الباردي للسرديات لكن ولمزيد اعطاء بعد علمي أكبر للندوات القادمة تم تشكيل لجنة علمية مشكلة من اساتذة ونقاد من تونس وخارجها تعمل على اعداد الورقة التأطيرية وفسح المجال للمختصين في محاور اهتمام كل ندوة لتقيم بحوثهم ..هذا وتجدر الاشارة الى انه تم على هامش هذه الندوة تكريم الروائي منير الرقي والمسرحية جليلة بن يحي.