افتتاح ملتقى سينما الجنوب بتطاوين: لا حدود للجنوب في الكون.. الجنوب مولد الإبداع دوما

هل عرفت الحب يوما؟ هل عرفت حب الصحراوي للصحراء وعشقه لافول نجعها وغروب شمسها.؟

هلاّ سألت عن حكايات الصحراء واهازيجها وتلك الهالة السرمدية الانسانية التي تمنح الصحراوي حبا للفنون لا ينضب، هلاّ بحثت عن كيفية مشاكسة الصحراوي لقساوة الجغرافيا ليبدع؟ اسئلة تجد اجابتها فقط هنا في ربوع تطاوين مع ملتقى سينما الجنوب في دورة جديدة شعارها السينما والحدود.
كبر الحلم وبدأ عوده يشتدّ ليصبح له جمهوره ورواده من أبناء الجهة وخارجها، لخمس سنوات استطاع ملتقى سينما الجنوب ان يكون منارة للسينما ومحج محبي الفن السابع في تطاوين، وفي الدورة الخامسة افتتح الملتقى ليرسل الى الانسان رسالة حب للسينما البديلة وتأسيس لفكر يؤمن باهمية الفنون وقيمتها في بناء نسيج مجتمعي متوازن.

الصحراء وطن والرقص عبادة
الموسيقى شدو الملائكة، حديث الروح وشجن القلب، والرقص حكاية جسد متحرر متمرد يريد التحرر من كل قيود الجغرافيا والتاريخ فقط ليكتب لنفسه إلياذة الانسانية، في ساحة الشعب بتطاوين تجمعوا في حلقة كبيرة، جمهور محترم العدد اراد اكتشاف سر تلك الألوان وحكاياها، البعض أغراه الأصفر وآخرون يبحثون عن أسرار البني وثالث ربما يريد معرفة ما سيقدمه ذاك الحافي المزركش بكل الالوان.

الى الكوت ديفوار تكون الرحلة الموسيقية، مع مجموعة DUMANLE و نغمات افريقية يفتتح ملتقى سينما الجنوب في دورته الخامسة، موسيقى التمرد الجغرافي ورقص يؤكد أهمية الحركة في التعبير عن الرفض والمقاومة، في ركح مفتوح حاكى الراقصون إفريقيا حاكوا مشاكل القارة السمراء وانتفضوا على الظلم بأجسادهم، ستحملك اللوحات الى سنوات العبودية وكيف ثار العبيد ليحققوا حريتهم حيث تكون أجسادهم مطية الرحلة والتعبير.

صوت الطبل الافريقي جد مرتفع تنافسوا ربما ليكون صوته أعلى ذاك الاله وسط بقية الآلات الموسيقية كان دليل أبناء تطاوين في اكتشافهم لسحر الجنوب، عن الصحراء تحدثت أجساد الراقصين، الأصفر لون رمالها الذهبية والبني لون جذوع أشجارها والحركات السريعة تماهي كثبانها المتسارعة بين الخطوة وصوت الطبل ستجدك باحثا عن سر الصحراء وكيف تلهم الجميع ليحلموا رغم قساوتها.

ابتسامة تزين وجوه الراقصين ضحكة جميلة تشحنك بموجات الامل يرقصون مبتسمين وكأنهم يدعونك الى كأس سعادة، اشرب دون تردد واستمتع بجمال الصحراء فهي ليست ارض خلاء بل كلها عمار تعمّرها الروح قبل الجسد وحدها الصحراء تساعدك لتتماهى مع ذاتك وحدها رمالها تدفعك الى امتطاء صهوة الحب والسير في مساربها لتلقى معشوقتك الموسيقى.

حركة الجسد...ولادة متجددة
الى الكوت ديفوار بلاد العاج الساحرة تكون القبلة، الى حركات متمردة تحكي قصص الانسان تكون الوجهة اذ لا يعتبر الرقص الافريقي نوعا من الإثارة والترفيه والمتعة كما هو شائع في المجتمعات الحديثة، إنما يعبر عن ضرورة واحتياج أساسي فهو جزء رئيسي من الطقوس الدينية والاجتماعية، فهناك رقصات لكل المناسبات حتى أن الكاتبة الزنجية الأمريكية «بيرل بريمياس» صنفت الرقصات الأفريقية المختلفة في مجموعات تمثل في تتابعها دورة الحياة الكاملة من بدايتها إلى نهايتها، فهناك رقصة للإخصاب ورقصة الميلاد والبلوغ والخطبة والزواج والموت، وهي المراحل التي يمر بها كل كائن حي فالرقص عندهم حياة وهنا تجمّلت الصحراء لتكون منبعا للحياة.

ارقص وتحرر من كل قيودك ارقص للحرية للأرض للوطن للانسانية ارقص لتكون حرا واصرخ بأقصى صوتك انك افريقي انك إنسان عاشق لكل تعاليم الحياة وليكن جسدك صوتك السرمدي ولتكن رقصة الصوت هي إرادة الحياة.

في ساحة الشعب وسط مدينة تطاوين اجتمعت الفرقة الايفوارية لتقدم لابناء الجنوب بعضا من الأسرار ووزعوا الكثير من الحب على الجميع، من ساحة الشعب فشارع الحبيب الدبابي ثم شارع 2مارس 1934 ثم ساحة الفنون فالمركب الثقافي كلما مشوا ورقصوا وهتفوا باسم الحياة وقدموا تعويذة الامل الى جمهور جاء لاكتشاف ما يحدث.
الرقص عند الافارقة طقس ديني مقدس وكأننا أمام قول «نيكوس كازانتزاكيس» في رواية زوربا اليوناني «يبدو لي هكذا أنني أفهم شيئا ما، لكن لو حاولت أن أقوله لهدمت كل شيء وذات يوم عندما أكون مستعدا سأرقصه لك»، بطريقة مشابهة يتعلم الأفارقة الرقص كما يتعلمون الكلام؛ ليعبروا به عمّا يجول في داخلهم من انفعالات ومشاعر؛ لذلك يقول الكاتب الصومالي جون فيالي «الرقص أفضل تعبير عن مشاعر الإنسان العميقة وليس هناك من فن يدانيه في هذا التعبير عن الأحاسيس».

«وجد» حكايا صوفية تحكيها الرمال
جميل هو التجديد من رحم الصحراء ورمالها تولد أفكار متجددة، من اجل خلق فرجة جديدة وابتكار طرق أخرى لشد انتباه الجمهور ولدت الفكرة، لتقديم حكايات الصحراء وقصص تونس وتاريخها نبعت فكرة «الرمال المتحركة» تقنية مميزة وحده الحبيب الغرابي يعرف خباياها في تونس، داخل قاعة المركب الثقافي بتطاوين كان اللقاء الثاني لقاء مع تقنية الرسم بالرمال في مشهدية وجد يقدمها الحبيب الغرابي وإخراج علي اليحياوي.

«الرمال تحملك الى الصحراء الى الخطى المنسية التي تمحوها الرياح تحملك حيث السؤال لماذا لا يعودون ؟ لماذا يختفون إلى الأبد ؟؟ أين يتوارون ؟ في الحجر في تراب الارض؟ ام في الفراغ؟ في الضوء ؟؟في الريح؟؟في ذرّات الرمل؟؟ ام في سكون الصحراء ؟.
في المشهدية الرمال تحكي هي صاحبة القرار، يدا الرسام تحت المجهر الضوئي يحركهما تدريجيا ليشعرك انك أمام ستار يفتح تماما كما في المسرح، ثم يبدأ في ذرّ الرمال على الطاولة البلورية المجهزة بالأضواء قبالته وتنطلق الحكاية، موسيقى الناي الحزينة تنبعث لتبعث في الروح الكثير من الشجن على الشاشة الكبيرة ستشاهد كيف ترسم الرمال النجوم والكواكب وبمسحة يد تجدك أمام صورة لراقص صوفي يتضرع إلى الله ويحاكيه و يناشده السلام.

للموسيقى سحرها، للناي بريقه تلك الآلة المغتربة التي تخرج من قلبها صرخات جلال الدين الرومي وهو يقول بلسان الناي:

« بعد صحبي ما ذقت طعم الرقاد
إنني انشد صدرا مزقه الفراق، حتى اشرح له ألم الاشتياق
من جروح ترى بصدر الحزين
ابعث الصوت مشبعا بالأنين

فكل إنسان أقام بعيدا عن أصله، يظل يبحث عن زمان وصله»

تتواصل جولة الرمال يرقص الجسد ويتماهى مع الروح، تختلف الموسيقى وبعد الناي تسمع صدحات مارسال خليفة يغني :

«يا نسيم الريح قولي للرشا
لم يزدني الورد إلا عطشا
لي حبيب حبه وسط الحشا
أن يشأ يمشي على خدي مشى»

رحلة الرمال تجوب غمار الموسيقى الصوفية وتحاول محاكاة الروح أثناء جولتها في عالم سرمدي مميز، تجوب الصحراء بكل تفاصيلها تكتب أسرارها وتحاول التماهي مع حكاياتها، من رمل الصحراء تصنع المشهدية «نرسم بالرمل إللّي لعبت بيه صغير» كما يقول الحبيب الغرابي عن الرمل المستعمل للرسم.
أن الرمل كتاب البدو الفصيح، تفرسوا ثناياه وخبروا أسراره ورموزه، ونثروا الرمل يستكشفون الغيب وخباياه، اقتفوا الأثر والرسم، فبرعوا فيه، فهو ثقافة على الرغم من أن الخبرة فرضها التأقلم مع المكان، غير أن هذه البراعة بقيت رهينة الإستعمالات الدنيوية، فاندثرت باندثار الحاجة إليها، وفي السنوات الأخيرة ابتدع عدد من الفنانين طريقة تعتمد الرمل كمادة تشكيلية للصورة بالرسم، في مزج بين فن الرسم والصورة والإنارة، إذ يتم سرد تتابعي للصور التي يقع بثها على الشاشة عبر كاميرا تلتقط بشكل مباشر الصور التي يرسمها النجم.

مشهدية «وجد» حاولت محاكاة الروح والجسد عند الصوفيين، رسموا القليل من روح الصحراء و كينونة الانسان في تماهيه مع الجنوب، حاولوا ان يقولوا ان الجنوب في الجغرافيا..في السينما، في الإنسان.. في الفكر الواقع..في الروح..في التكوين..في البدء الأول..في النهايات فلا حدود للجنوب في الكون.

البهو المتحف
السينما عنوان للذاكرة دوما، السينما توثيق للحظة ما، الكامير عنوان لحكاية لن تمحى، بهو المركب الثقافي بتطاوين أصبح متحفا بمناسبة الملتقى منذ دخولك من الباب الخارجي ستجد قبالك العديد من آلات الكاميرا سيلاقيك ذاك الشريط القديم و لباس المصور الفوتوغرافي وقبعته الكبيرة، البوق موجود وحقيبة المخرج ايضا، البهو المتحف أصبح فضاء للصور و لالتقاط «سيلفي» يوثق للحدث والمكان».

الرمال المتحركة هل تكون في مدينة الثقافة؟
مشهدية «وجد» هي الثانية بعد مشهدية أولى حاكت أقاصيص كل المدن التي عرضت فيها تقريبا، بتقنية جد خاصة يبدع حبيب الغرابي صحبة علي اليحياوي في تقديم صورة جديدة للفرجة من الرمال يصنعون الحكايا المختلفة، مشهدية وتقنية تستحق أن توجد في اكبر العروض لم لا تكون هذه المشهدية في مدينة الثقافة مثلا؟ لهم كل التقنيات واليات النجاح في دار الأوبرا لك ان تتخيل للحظات مدى البهجة التي سيشعر بها المشاهد وهو يسمع أغاني الأوبرا مصحوبة بعرض للرمال التي تحاكي جميع الأصوات؟ مشهدية يمكن ان تكتب التاريخ بالرمال وتكون بمثابة المتحف المتنقل، تجربة لن تكلف الوزارة كثيرا فقط أجور الفنانين؟.

أبناء المسرح دعامة للسينما
من يزور تطاوين وتحديدا ملتقى سينما الجنوب يكتشف تلك اللحمة بين كل الفنون، لحمة نادرا ما تشاهدها في العاصمة فنادرا ما يهتم المسرحي بكل الأعمال والملتقيات السينمائية،هنا في تطاوين يصبح أبناء الفن الرابع دعامة أساسية لملتقى موجه للفن السابع، عبد الله الشبلي وشكري قمعون و كامل حداد تجدهم منذ لحظات التحضير حد الاختتام يمثلون عنصر نجاح لملتقى السينما فهنا الكل يحاول إنجاح التظاهرة في إطار تماهى عجيب بين كل الفنون.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115