كتاب « القبيلة في الثورة السورية، المفهوم و قيمته» للأستاذ المولدي الأحمر: قراءة مغايرة للتاريخ الاجتماعي والمعرفي

حينما يستحضر المتصفح لكتاب مولدي الأحمر « القبيلة في الثورة السورية، المفهوم و قيمته»

يفاجأ بالمسافة بين كثافة الإشكالية وعدد الثمانين صفحة فحسب التي يحتويها الكتاب.ولكن عند القراءة يتبدد شيء من تلك الدهشة.فسواء اتفقت معه أم لم تتفق نجح المؤلف في التركيز على نقطة واحدة،اختار أن يحفر فيها، تتعلق بالقيمة المنهجية لرابطة القرابة في دراسة التحولات الجارية في المجتمعات العربية، وتحديدا أحداث الربيع العربي وما يجري في سوريا.
في التصميم الداخلي للكتاب خصص مولدي الأحمر قرابة 30 صفحة ليقدم للمقابلات الثلاث التي أجراها مع فاعلين سياسيين سوريين بامتياز، لهم علاقة مباشرة بموضوع القبيلة: برهان غليون الذي ترأس أول مجلس وطني للمعارضة السورية وواجه سؤال القبيلة في ذلك المجلس. وشيخي قبيلتين سوريتين شاركا في الأحداث قبل أن يفرا لاجئين في الأردن. وخلال هذا التقديم خصص مولدي الأحمر صفحات كثيفةلمناقشة القيمة التصنيفية والتحليلية لمفهوم القبيلة مستندا على مادة البحث التي بين يديه.

في الكتاب دعوة للتخلص مما يسميه الكاتب «هابتوس القبيلة» المعرفي.والسؤال الذي يطرحه -انطلاقا من الكيفية التي كان يتحدث بها محاوروه عن القبيلة- يدور حول أهمية القرابة كمبدأ تحليلي للأحداث المركبة والمعقدة التي تجري في سوريا، وفي كل بلدان «الربيع العربي»،من دون الأخذ بعين الاعتباركل التقاطعات التي تخترق القرابة وتتجاوزها إلى روابط اجتماعية أخرى أصبحت اليوم تصنع المصالح والتمثلات وتشكل المجموعات وتعطي للأفعال معانيها.

هل من الممكن تسطيح كل ما يتداخل من عوامل و أبعاد سياسية واجتماعية واستراتيجية واقتصادية، واعتبارأن «الحرب الأهلية الفوضوية» الجارية حاليا في سوريا تحركها صراعات وخلافات قبلية أو انتماءات طائفية أو قومية-إثنية؟
يمثل هذا السؤال صيغة مبسطة تستعيد عناصر أولية لمقولة الكاتب القائمة على تقويض المقاربات التي تعمد إلى استقراء الثورات انطلاقا من علاقات القرابة ومن الوزن الذي يمنحها لها الباحث الواقع تحت «الهابتوس المعرفي» للقبيلة،بحسب عبارة المؤلف. .
من أبرز ما جاء به الكتاب هي المناظرة التي يقيمها بين الإرث التصنيفي والتفسيري الانقسامي بوصفه قالبا فكريا نظريا،والحالة الامبريقية للثورة السورية في حد ذاتها، وما تنضوي عليه من سيولة وتعقيد على مستوى الأحداث والمكونات و أطراف النزاع في الداخل والخارج.

يبدو الكتاب على صغر حجمه، حاملا لمشروع جدي من شأنه أن يؤسس لقراءة مغايرة للتاريخ الاجتماعي والمعرفي للمجتمعات العربية. يستعرض التقديم جملة من المفاهيم الملحقة بمفهوم القبيلة ويسائلها بالاستناد إلى نظرية علم الاجتماع الانعكاسي،كما يبحث في تقاطع المفهوم مع مفهوم الحزب. وينتهي بِبسطة مُشرعة على التحليل تستثمر عمق الأحداث دون أن تسلب القارئ القدرة على التفكر فيها على ضوء المراجعة النقدية التي سبقتها. يقول المولدي الأحمر في معرض حديثه عن مقابلاته مع برهان غليون وهو أول رئيس للإئتلاف الوطني السوري و شيخ عشيرة البو فرج وشيخ مشائخ البشاكم : «إن الحوارات التي أجريناها مع أول رئيس للمجلس الوطني للمعارضة السورية، يفتخر بأصوله القبلية ويعادي سياسيا القبيلة، و مع شيخين لقبيلتين من دواخل سوريا، نشآ وترعرعا اجتماعيا وثقافيا في رحاب السوق وخطوط إمداده المحلية الجهوية والوطنية والعالمية، أعطتنا مادة ثرية غاية في الأهمية لإعادة التفكير في ممارسات ما يسمى بالحياة القبلية وفي أدبياتها واستخداماتها السياسية والمعرفية. بل إن المادة المعروضة هنا ربما تزيد من صخب النقاش أكثر مما تساعد في الإجابة على أسئلته.» ولكي لا تضيع لذة الفائدة يعرض المؤلف بطريقة إشكالية كيفية إجرائه لتلك الحوارات.

في نهاية الكتاب يعود مولدي الأحمر إلى المفهوم وقيمته في دراسة أحداث «الربيع العربي» ويخرج بالاستنتاج التالي: «اليوم يظهر شيئافشيئا التحدّي الحقيقي الذي يطلب تغييرا في زوايا النظر ومواقع المشاهدة وأدوات بناء الموضوع والتصنيف والتأويل، وهو تحدّ سيظلّ مفتوحا لفترة طويلة إلى أن تتكلم أخلاقيا وفنيا ومعرفيا من سميناها «الثورات البكماء».

سمية عبداللطيف

أستاذة و باحثة في علم الاجتماع

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115