المقدم سمير الشامي محافظ المتحف العسكري الوطني لـ«المغرب»: نظرتنا للتاريخ الوطني ليست انتقائية ولا إقصائية ولا مقدّسة

«هويتنا الوطنية نحتت عبر مختلف العصور وتراكمت فيها مختلف الثقافات وانصهرت جميعها في رحاب هذه الأرض الطيبة لتكوّن الشخصية الوطنية التونسية المتأصّلة دون جمود والمتفتحة دون انحلال» هكذا يرى المقدم سمير الشامي محافظ المتحف العسكري الوطني في حوارنا

معه حول المتاحف العسكرية والاستثمار الثقافي وتثمين التراث وحفظ الذاكرة الوطنية...

• فيم يتجلى عملكم تحديدا وعلى ما تراهنون؟
نعمل على أن تكون المتاحف العسكرية فضاءات يطلع من خلالها عامة المواطنين والشباب خاصة على أمجاد هذا الوطن ورموزه وسيرة أبطاله وأهم المحطات التاريخية التي مثلت منعرجا في مسيرة بناء الذاتية التونسية في تجذرها واعتدالها وتفتحها عبر التاريخ من أقدم العصور إلى ثورة الحرية والكرامة.
إن أبطال القوات المسلحة الذين استشهدوا دفاعا عن الوطن ضد الإرهاب في جبال الوطن الشامخة وفي بن قردان الصّامدة أوالذين يقفون اليوم سدّا منيعا، على الحدود والتخوم، في البوادي والمدن، في الصحاري والجبال، يضاهون في بطولتهم وشجاعتهم وحبّهم للوطن وولائهم له أبطالا عظماء في الحرب والسياسة، للذكر لا للحصر، مثلا: أميلكار وحنبعل وماسينيسا ويوغرطة والكاهنة وأسد بن الفرات وجوهر الصقلي وحمودة باشا وأحمد باي وعلي بن خليفة والدغباجي ومصباح الجربوع والرائد البجاوي والملازم تاج وغيرهم من الذين أحبوا هذا الوطن وضحّوا بأنفسهم من أجل حرية الوطن واستقلاله ومناعته .

• إلى أي مدى تستغلون التراث اللامادي من خلال إنشاء المتاحف العسكرية؟
نريد من خلال إنشاء وتطوير المتاحف العسكرية العامة والمتخصصة، تثمين التراث الوطني العسكري الذي تزخر به ربوع البلاد وتقف آثاره شاهدة على عمق الحضارة وتجذر الممارسة الدفاعية في هذا الوطن. ومن الآثارالمعمارية الدفاعية نذكر أسوار قرطاج، خط الليماس الروماني ( (Lime، الرباطات والقلاع وأسوار المدن العربية الإسلامية، الأبراج والتحصينات العثمانية والحسينية، وكذلك التحصينات التي أنشئت زمن الحماية الفرنسية مثل خط مارث الدفاعي وإستحكامات تونس وبنزرت. إضافة إلى ما تزخر به المتاحف العسكرية من ممتلكات ثقافية متنوعة تعود لمختلف العصور: منحوتات، سيوف، ورماح، بنادق مدافع، دبابات، طائرات، مخطوطات، لوحات زيتية أصلية، نماذج ومجسمات، ملابس، وسائل إتصال عربات نقل، شعارات، أوسمة، أعلام ورايات، خرائط وصور وأرشيفات... نعمل على حفظها وتنميتها بالإقتناءات أو الإهداءات من قبل المواطنين والجمعيات والأشقاء والأصدقاء طبقا لما يخوّله لنا القانون.

• كيف يتجلى دعم السياحة الثقافية من خلال المتاحف العسكرية؟
نسعى إلى دعم السياحة الثقافية من خلال إنشاء مسالك للذاكرة المشتركة مع بعض الدول الشقيقة والصديقة على غرار مسلك الذاكرة المشتركة التونسية الجزائرية عبر مواقع جيش التحرير الوطني الجزائري بتونس خلال الثورة الجزائرية (1954 - 1962). والغاية منه لأن يتذكر الزائر من خلاله مدى ما بلغه التعاون بين الشعبين الشقيقين من تلاحم وتضامن من أجل التحرر وإستكمال السيادة.
كما نعمل على إنشاء مسلك يربط بين بعض مواقع الحرب العالمية الثانية بتونس من ساحات معارك وتحصينات دفاعية في شمال البلاد وجنوبها لتذكير الزوار من المواطنين والأجانب بالدور الذي لعبته تونس في تحرير أوروبا من النازية والفاشية، وإنحياز قيادة الحركة الوطنية وعلى رأسها الزعيم بورقيبة للعالم الحرّ والدور البطولي الذي لعبه الجنود التونسيون في أهم المعارك مثل معركة البلفدير ومونتي كاسينو بإيطاليا في شتاء 1944.

• فيم تتجلى القيمة الملموسة لعرض الأسلحة مثلا في المتاحف العسكرية؟
نريد من خلال الممتلكات الثقافية المعروضة بالمتاحف العسكرية: أسلحة بيضاء ونارية، خفيفة وثقيلة، ومعدات وملابس وخرائط ومجسمات ومخطوطات وأرشيفات وصور...أن نقرّب الدراسات التاريخية الاكاديمية المختصّة من عامة المواطنين لتكون الوقائع والأحداث والمفاهيم والرموز ملموسة ومجسمة وقريبة من الزائر حتى يعيها ويتمعّن فيها وتترسخ في ذاكرته تأصيلا للكيان وبلورة لمكونات الهوية الوطنية.

• كيف تتبلور الشخصية الوطنية من خلال المتاحف العسكرية؟
نظرتنا للتاريخ الوطني ليست انتقائية ولا إقصائية ولا مقدّسة، تاريخ هذا الوطن هو من صنع أبنائه الذين عمّروه عبر العصور ودافعوا عن حريته ومناعته مهما كانت لغاتهم أو ألوانهم أو دياناتهم أو أصولهم العرقية. وهويتنا الوطنية نحتت عبر مختلف العصور وتراكمت فيها مختلف الثقافات وانصهرت جميعها في رحاب هذه الأرض الطيبة لتكوّن الشخصية الوطنية التونسية المتأصّلة دون جمود والمتفتحة دون انحلال.
أعتقد أنه من أوكد واجباتنا ان نتعامل مع التاريخ الوطني بفكر نقدي وبإيجابية دون تهميش أو إقصاء أو تقديس، ونحن نعمل على أن نجعل من التاريخ المشترك والذاكرة المشتركة مع عدة شعوب شقيقة وصديقة جسورا للتعاون المثمر معها في مجال السياحة الثقافية والبحوث التاريخية المشتركة التي تعمّق الأخوّة والصداقة بين الشعوب وتبرز للعيان ما يربطنا بها وما يقربنا إلى بعضنا البعض وتنأى بنا عن أسباب التوتر والجدل العقيم حول وقائع وأحداث لم نعشها ولم نشارك في صنعها. إن التراث المادي واللامادّي الذي يجمعنا ببلدان شقيقة وصديقة يعتبر رصيدا هاما علينا حفظه واستثماره وتثمينه من أجل تمتين الروابط والعلاقات في مختلف المجالات خدمة للمصالح المشتركة واستدامة لإشعاع تونس وتألّقها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115