مهرجان الخيام الصحراوية بحزوة: هنا تولد الأغنية من رحم العشق الأزلي للصحراء

الصحراء موطن للحب، الصحراء وحدها قادرة على جعل الانسان

يتماهى مع بقية الكائنات في الصحراء يكون الحب اجمل ويكون للحلم سحره الخاص، في هذه الخيام المترامية قصص عشق وحكايات حب وحدها الخيمة عالمة باسرارها والكثير من الحلم يجسده ابناء الصحراء في اهازيجهم واغانيهم.
هنا بوابة الصحراء حزوة هنا وعلى امتداد ثلاثة ايام عاش الضيوف مع سحر الرمال وجمال الكلمة وحلاوة اللهجة فالكل هنا يغني والكل هنا استعد ليكون المهرجان عرسا يمتع الضيف وابن المكان الكل اراد ان تكون الخيمة الصحراوية فضاء للحب والابداع.

المحفل تلوينات الحب
دع المدينة وضوضاءها، دع زحمة وسائل النقل وضغط الحياة اليومي دع ثقافة «الفاست فود» والاغاني المسجلة واستمتع بسحر الصحراء واتساعها، هنا لا حائط يحد نظرك، لن يزدحم فكرك بمشاغل المدينة وروتينها هنا ستنشق عبق الحرية وتمتع ناظريك بالامتداد، هنا تشكلت لوحة للجمال، وسط الخيام المنتشرة، لبست النسوة اجمل حلة، لم يمنعهن البرد من التزين لعرض المحفل.

الخيام توسطت ساحة المهرجان، البرنس و المشطية ميزة المكان، الحرام الجريدي زينة الفضاء ولباس النساء، هنا يكون الموعد مع «المحفل» وهو العرس التقليدي بكل تفصيلاته وتلويناته، لقاء مع الجمال وسحر الشعر الشعبي والاغنية البدوية وموسيقى الصحراء.
الطبل سيد المكان لصوته وقع الرياح على شجيرات الصحراء المترامية وكانه دليل التائه ليجد خيمة للاستقرار، لعازفي الجنوب طريقة خاصة لعزف الطبلة تلك توضع على الارض ويضرب عليها عازفان اثنان وكانهما في سباق مع الحياة او هما يذكران الزائر أن أبناء الصحراء لا يعيقهم برد ولا رياح رملية على احتفالهم بالحياة.
وللمحفل الصحراوي ونغماته الرقيقة وكأنها لحظات مناجاة العاشق لمعشوقته، اليوم الاول كان مع: «ملحمة رجال غريب» ولقاء التاريخ والفنون، ليخصص اليوم الثاني للكلمة البدوية للغزل والعشق، في سهرة جنوبية الروح والهوى اشرف على إخراجها الشاعر جمال بن عيسي واثث السهرة الجميلة كل من منير اللطيفي و حسن الزمزمي و الفنان بسطوس الجزائري و فاطمة سلطان والمايسترو الهادي خضر و فرقة الموقف وفرقة الزقايري وفرقة الفنون الشعبية وفرقة سهر الليالي الاستعراضية جميعهم «حفّلوا» المحفل وقدموا لابناء حزوة سهرة حالمة ومميزة تماهت فيها كل الايقاعات واختلفت النغمات والرقصات التقليدية والفلكلورية والاستعراضية.
رياح قوية، برد الصحراء مقلق ورغمها جاءت الجماهير باعداد غفيرة، اغلبهم تدثر بالبرنس و النسوة لبسن البخنوق، وسط البرد لا يمكن الا ان يقول منير اللطيفي:

«عانيت صقع الليل وانت وينك
انا والقمر الاثنين مستنينك
نمتي هنية عاهدتني وهانت عليك الجية
خليتني سهران نا عيني حية
مذبوح زي الطير بسكاكينك
قاعد نرجع في الثانية الاوجاع
تطلع درجة، أماليك
ظني عالجفا مربينك
ضاقوا خلوقي
ركبت الغرام معاك وانت تسوقي
وليه تستحي تقلي معشوقي
ولا عشق كي العشاق بيني وبينك»

اللطيفي ابن الجنوب امتع الجمهور بكلماته الرقيقة ورافقته فاطمة سلطان بصوتها الساحر وغنت مواويل من التراث الشعبي للجنوب الغربي، بصوتها غنت وامتعت الحضور بأعذب النغمات.
تتواصل السهرة يتواصل المحفل، يتواصل سباق الشعراء ليتغزلوا بالوطن وبالحبيبة وبالآلام وبالمرأة وبسحرها وبقدرتها على قلب كيانه وتاجيج نار حبه متى ارادت، لسحر عينيها قال ضو حداد :
« قولولها الي عيونها تلخص ايامي الحالكة في لونها

وتايه مع الالحاظ من دونها

والفرض بين السنون والفرض، المعاني الكاملة واللفظ، اللفظ سن اشعارها اما المعاني الكاملة سود انظارها».
في المحفل تتماهى كل تلوينات الجمال جنال اللباس والكلمة والمعنى، الشعراء يتنافسون ليتغزلوا بسحر الانثى لكل طريقته فهاهو منير اللطيفي يبدع في وصفها ويقول:
ليه وصف دون الخلق ليه مزايا
وليه فرق بعد الارض عاللي نجوم
خلقله عوارض يشبهو المرايا
وبان غثّها فوق جوفها مردوم
القدّ مثّلته مثيل سرايا
يبان راصعه جبريل باغلى سوم
من الخصر للرجلين كيف بنايا
وعرصات مرمر من زمان الرّوم
كلام قايله يا ناس موش دعاية
وزين الشبحته بنوصفه ملزوم
يستاهله سود الهذب غنايا
اللي زينها عل جيلها متموم

اما ضو حداد فيخبر الحضور ان السواد زائل وخلف الالم الكثير من الامل يدعوهم لمشاهدة امتداد رمال الصحراء فهي وان قست دليل للجمال وخلفها يوجد الكثير من الامل، ضو حداد يقول عن الامل
كاني بكيت اليوم
ملزوم نضحك غدوة
و كانك على الهموم...
موحال حال يدوم...
الهموم مثل النّدوة!
و يا ضاحكة في الحاضر...

غدوة قريب للنّاظر
و يا راقدة في الحدرة...
و يا شادّة بالقدرة

فيقي شبعتي نوم
الضّحك يوم السّدوة...
كاني بكيت اليوم
ملزوم نضحك غدو

في حزوة احتفلوا بخيامهم، احتفوا بالشعر الشعبي والاغنية البدوية، رقصوا على ايقاعات الطبلة وقدموا العديد من اللوحات التقليدية باجسادهم خطوا الياذة حرية المرأة هناك وقدرتها على الابداع وحملوا زوار حزوة الى اعماق الصحراء واهازيجها.

كيف تكون حزوة قبلة للسياحة الايكولوجية
السياحة الايكولوجية كانت من محاور مهرجان الخيام بحزوة وقدمت هيئة المهرجان صبيحة الاحد 25مارس ندوة فكرية عنوانها «تراث غريب سند للسياحة الايكولوجية» ومن المداخلات العديدة يمكن الاشارة الى مداخلة مسعود السعيدي و من اهداف المداخلة هو إدراج بلدية حزوة ضمن المنظومة السياحيّة الإيكولوجية لتكون قادرة على إستقطاب السيّاح بما تقدّمه المنطقة من منتوج إيكولوجي بالنّسبة إلى المنتوجات الفلاحيّة.

وتطرق السعيدي في مداخلته اولا الى تراث غريب وكيف يكون سند للسياحة الإيكولوجية، فقبيلة غريب يقطنون بحزوة ونفطة وتوزر والمتلوي ورجيم معتوق والفوار وشني وغيدمة، وهم بدو رحل سابقا عاداتهم مرتبطة بالصحراء والتفاعل الطبيعي مع الطبيعة السائدة خلق عادات وتقاليد وثقافة يمكن إستثمارها الْيَوْمَ في دعم التوجه العام للدولة وللعالم في دعم السياحة الإيكولوجية كبديل للسياحة التقليدية ودعم لها.

ومن ذلك المسكن وهو «الخيمة» المصنوعة من وبر الجمال وشعر الماعز، و«الزريبة» وهي من قش النباتات الصحراوية كالسبط والرتم ومأكلهم المتمثل خاصة في المنتوجات الحيوانية مثل حليب الماعز والناقة واستعمال الاخير في علاج بعض انواع السرطان دون نسيان الدهان أو السمن الطبيعي من حليب ولبن الماعز علاج للكحة و الإذن وخبز الملة في رمال الصحراء .

الملبس كذلك طبيعي واساسه جبة الصوف و القشبية وبخنوق الصوف و البرنوس منتجات من صوف النعاج طبيعي ويلبس سكان الصحراء «الفعان» في الاقدام وهو مصنوع من صوف النعاج وشعر الماعز، دون نسيان استعمالاتهم المتعددة لاشجار الصحراء في معالجة الامراض جميعها معطيات تجعل من حزوة قبلة للسياحة الايكولوجية لاكتشاف الحياة اليومية لسكانها.

خصائص حزوة لتكون منطقة للسياحة الايكولوجية اشار السعيدي الى: المكانة البارزة التي تحظى بها الواحات في المنظومة الجغرافية والبيئية للبلاد التونسية، فضلا عن الدور المحوري الذي ما فتئت تقوم به في الدفع بعجلة الاقتصاد المحلي والوطني، لتمثل بذلك القلب النابض للحياة الإنسانية في المناطق الجنوبية للبلاد.
مضيفا ان الواحات بحزوة تستمد جاذبيتها الاقتصادية عموما والسياحية – الإيكولوجية على وجه الخصوص، من التنوع البيولوجي الذي تزخر به، بما في ذلك تنوع غطائها النباتي من نخيل وتين وزيتون ومشمش، فضلا عن إنتاج النباتات العطرية والأعشاب الطبية، مما يجعل منها قبلة للسياح الإيكولوجيين من مختلف أنحاء العالم.

تتميز النباتات الصحراوية بقدرتها على تحمل البيئات الحارة والجافة والتأقلم معها، على رغم ارتفاع درجات الحرارة، وقلة مصادر المياه، وافتقار التربة للعناصر الطبيعية المغذية، وهبوب الرياح الذي يزيد من التصحر وزحف الرمال، جميع هذه المعطيات تجعل من حزوة قبلة للزوار وبعيدا عن السياحة الشاطئية توفر المدينة للسائح فرصة ليعيش في الصحراء في خيمة و يكتشف سحر الصحراء وكيفية العيش والتماهي مع طقسها ورمالها .

في حزوة كان المهرجان فرصة لاكتشاف المكان ولمعرفة بعض خصوصياته ورغم بعض الهنات التنظيمية وسوء الاحوال الجوية خاصة الرياح فقد تمكنوا من انجاز المهرجان وانجاحه فنيا ليكون لبنة اخرى في الحياة الثقافية بالجنوب التونسي، مهرجان استقطب زوارا من تونس وكذلك من واد سوف الجزائرية غير البعيدة عن حزوة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115