افتتاح المهرجان الدولي للخيام بحزوة: ملحة رجال غريب ... لأهل البادية دورهم في معركة التحرير الوطني

تزينت الصحراء تجملت بحلة ذهبية بألوان تشع نورا كما اشعة الشمس،

طريق طويلة بعضها معبد واخر لازال بطور الانجاز، تونس، قفصة، المتلوي توزر الحامة فنفطة الكوفة الصغرى ثم حزوة بوابة الصحراء التي تحتفي بعرسها وبخيامها.

ساحة كبيرة تحيط بها الرمال من كل جهة اينما وجهت نظرك قابلتك كثبان جميلة تغريك بزيارة المكان واكتشاف خباياه، خيام انتصبت في الساحة، لكل خيمة وظيفة ومكانة خاصة ولكل واحدة حكاية وجميعها تنادي الزائر بالدخول لسماع أسرارها خيام تعيدك الى مائة عام لتعايش قبيلة بني غريب وهم عنوان العرض الملحمي الذي كان في افتتاح مهرجان الخيام بحزوة، عمل للمخرج منذر بن ابراهيم وشعر للمرحوم عمر السعيدي وسيكريبت نهلة القاسمي وسينوغرافيا لطفي محفوظي بحضور جمال ساسي في دور الراوي وتمثيل مجموعة من ابناء الجهة.

الثقافة بوابة للتاريخ
واسعة رحيبة ناعمة ذهبية هي تلك الصحراء التي تتيه عبر رمالها ويحيرك مدى الأفق فيها ليس لها حدود تقيدك ولا أحجار تؤذيك تمشى والذهن صافي والفكر منطلق إذا تعبت فرشت لك على رمالها ظلك الناعم بنعومتها كي تتستريح وتواصل السير وتعطر أنفاسك بشذى الحرية وتحتفظ بأثرك لأنك غصت في أعماقها تخط بصفحاتها ما يجول بخاطرك بأناملك وعصاتك، هنا كان يعيش بني غريب.

انتشرت الخيام، النسوة بالحرام الجريدي و التخليلة و الوان جميلة وزاهية، تماهت الوان الحياة الوان حب الصحراء لابنائها، الاطفال يلعبون وبعضهم يستمع الى الكبار، الشيوخ يناقشون وضع القبيلة واحوالها، بئر تتوسط المكان، فكل قبيلة لها منبع ماء للمرعى والمشرب هكذا كانت قبيلة بني غريب في الصحراء البعيدة تعيش حياة البداوة والهدوء بعيدا عن المركز والكاهية ومؤسسات الحاضرة، قبيلة لها نواميسها وعاداتها واعرافها، وفجأة يتحدث الراوي ويسمع المتفرج صوت صهيل الخيل وفزع على وجوه الاطفال ويرتفع الغبار، في إشارة الى صراع مع قبيلة مجاورة هي قبيلة «بني زيد» الذين يريدون مقاسمة بني غريب بئر الماء، يجسدون المعركة بالعصي لحدّ أن يتكلم احد الشيوخ وينعت ابناء العم بالغباوة لانهم يدخلون خصاما ويدعو الكل الى «دار الشروع» هناك لحل المشكل، تتحرك القبيلة كاملة، اكثر من 150 نفرا جميعهم يحملون المتفرج الى كيفية عيش القبائل فالبدو لم يكونوا همجا او غير منظمين اذ هناك مؤسسات وضعوها لتنظيم عقود الزواج والطلاق و المشاكل بين القبائل المتجاورة فالبدو لهم قوانينهم واعرافهم ونظامهم الخاص على حد تعبير مخرج العرض

منذر بن ابراهيم.

في دار الشروع يكون اللوم من قبل شيخ بالبرنوس الجريدي ابيض اللون و الجبة الحرير و «البلغة» بنية اللون وتلك «الكشطة» فوق راسه كدلالة على الزعامة، المخرج ركز على تفاصيل اللباس في عرضه، يؤنب الشيخ ابناء العمومة ويخبرهم ان هناك خطية وجب دفعها ثم «سلموا على بعضكم واعملوا زردة قبل المرواح»، لتقوم مراسم العرس والاحتفال تكون رقصة «الزقايري» ميزته، رقصة تقليدية من الجنوب الغربي هي عنوان للاحتفال والفرحة و «الزقايري» من الخطوات التونسية التقليدية التي لازال ابناء حزوة يرقصونها ويحافظون عليها مع العصي واللباس التقليدي وصوت «المزود» الخاص بهم.

في ملحمة رجال غريب انفتاح او «طلة» على التاريخ كما قال المخرج، عودة بالجمهور الى بني غريب وكيف كانت تعيش تلك القبيلة والاهم التركيز على نظامهم وقوانينهم واعرافهم بعيدا عن «الفوضى» والبهرج، باب للتاريخ ليعرف الشباب تاريخ اجدادهم ويعرف الحضور ان «حزوة» ليست مجرد رمال وكثبان متناثرة .

رجال بني غريب شهداء الوطن المنسيين
في عمق الصحراء يعيشون، بين كثبانها تعلموا التمسك بالقبيلة والوطن، خيام هنا وهناك، لهو وصخب الاطفال حياة الشيوخ ونقاشاتها، الهدوء الكامل رعي الاغنام والابل والنسوة يغزلن الصوف ويحكين أجمل المنسوجات، هكذا هي الصورة الخارجية للمكان والقبيلة، اما هناك في الحاضرة فتونس تعيش على وقح حركة التحرير الوطني ، يبدو للمتفرج ان سكان الصحراء البعيدين جدا غير معنيين بامر الحاضرة وما تعيشه تونس ولكن الظاهر غير الباطن فشيوخهم يجمعون السلاح للفلاقة وصغارهم يحملون الرسائل السرية الى من ثاروا ضدّ المستعمر، حركة مسلحة تبدو صغيرة العدد ولكن لها عزيمة الاف الرجال، هكذا هو مشهد الصراع الذي جسّد في ملحمة بني غريب، يتحدث الراوي «جمال ساسي» عن الثورة والحركة الوطنية وعن هجوم الفرنسيين على قبيلة بني غريب وقتل شيخها واعتقال اطفالها لانهم يساعدون الفلاقة.

صوت لاطلاق الرصاص، صهيل الجياد والخيول، معركة غير عادلة بين من تسلحوا بالبنادق ومن سلاحهم فقط إرادة الحياة و «رجولة» و تمسك بالدفاع عن الوطن، في الساحة المفتوحة حتى رمال الصحراء تساند ابناءها تتحرك ريح تثير الرمال لتعطل سير جنود الاستعمار وكان بالطبيعة مصدر الحرية الاول تدعو سكانها للثورة وتكون حرية الرمال دليلهم،رجال لا يعرفون الخوف وكما قاوموا قساوة المكان بإمكانهم مقاومة اي عدوان شعارهم « مانعرفش الخوف مانا ذلالة، ما فينا بخيل، ولضيف الله ديما بيه مرحب»، على وقع موسيقى الطبول تنطلق المعركة ، معركة رجال غريب ضد الاستعمار الفرنسي في الجنوب التونسي غير بعيد عن الجزائر سقط شهداء بني غريب وهم صالح بن محمد السعيدي و محمد بن لمجيد النويصري و مبارك بن مبروك السعيدي والتيجاني الفضيلي وأحمد بن بلقاسم السعيدي و عبد الله بن مبروك السعيدي و مسعود بن محمد نويصري و مبروك بن صالح سلامة، هم شهداء بني غريب شهداء الصحراء شهداء قدموا ارواحهم فداء لحرية تونس من المستعمر الفرنسي واثبت ان للبدو دورهم في الحركة الوطنية ايضا.

انا المرا...انا المقدية والقوية
لبسن اجمل اللباس، ألوان مختلفة جميعها تبعث في النفس البهجة، اجتمعن في خيمة واحدة يغزلن الصوف لينسجن البرنوس و اللباس التقليدي، البنات كن كما الاميرات مدللات بعضهن يلعب مع الفتيان واخريات حذو الموقد، النسوة في بني غريب كنّ كما الرجال لهن كلمة في شؤون القبيلة ايضا.
النسوة جميلات ولهن لباسهن المميز، هن عنوان الفرحة ففي مشهد الزردة تكون لرقصتهن كل تفاصيل الحياة، بشعورهن يرقصن ويتمايلن تماما كما يقول الشاعر الشعبي رضا عبد اللطيف»نخن على الطبل يا بنات حواء، قلبي تكوى منكن فتني غثيث ملوى، تحت المحارم تعرم مطوى بعطره تروى وفوق الحواجب تقصص مسوّى، هزين قليبي صربة صراير، هدوا الظفاير ناضن قدا الطبل كبسوا المراير، ووقتن بدت السوالف نشاير يشغشب دليلي» فهن في القبيلة عنوان للحياة تماما كما الماء هن عمود الخيمة.
بعد مشهد المعركة مع المستعمر تحمل احدى النساء البارودة وتهتف في الرجال «افزعوا» اي ثوروا على الظالم ، وهي صورة رمزية عن قوة المرأة التي كانت تحمل المؤونة إلى الفلاقة في الجبل تحمل الرسائل أيضا من المقاومين الى الفلاقة هي رسول بين الجبل والصحراء، المرأة البدوية لم تكن على الهامش لها كلمة وقرار لها سطوة وهيبة وحضور هي المحسس باهمية الدفاع عن تونس هي الوطن المصغر الذي علم الأطفال ان الموت في حق الوطن شرف، هي «المقدية، القوية، المناضلة، الجميلة والجريئة» كما نقلتها ملحمة رجال غريب.
المرأة كانت قيادية، ربما نسي التاريخ الرسمي ذكرها ولكن الاغاني والشعر الشعبي المنقول مشافهة لازال يذكر دورها في معركة التحرير الوطني، المرأة البدوية كانت ندا للرجل ومثله حملت السلاح والمؤونة وتجملت لتقدم نفسها فداء لتونس كما قدمت اللوحات في ملحمة رجال غريب لمنذر بن ابراهيم الذي اعترف بدور المرأة في قبائل البدو الرحل.
ملحمة بني غريب عودة الى التاريخ بالفن، الرقص والموسيقى والرواية وسيلة لتعريف بتاريخ تلك القبيلة ومساهمتها في حركة التحرير الوطني ووصف لطريقة عيشها وقوانينها، بالفن فتح المخرج بابا لعشاق التاريخ للبحث والتمحيص في تراث قبائل البدو والرحل الذين سكنوا الصحراء وتماهوا مع قساوتها لحدّ أن اصبحت ملهمتهم في الشعر والحياة.

مهرجان للسياحة الصحراوية دون دعم
وزارة السياحة؟
بعد جملة من الوعود انجز المهرجان ولكن وزارة السياحة لم تف بوعودها تجاه مهرجان حزوة للخيام الصحراوية، في عمق الصحراء وفي اطار دعم السياحة الصحراوية تبقى وزارة السياحة في موقف الصامت تقدم فقط الوعود، فبعد ان وعدتهم بتوفير حافلة لنقل الضيوف والصحفيين من العاصمة الى توزر تقرر الغاء وعدها دون سابق انذار، وزارة السياحة وعدتهم بتوفير اقامة ضيوف المهرجان بمدينة توزر ولكن المندوبية الجهوية للسياحة بتوزر اخبرتهم ان الوزارة لم ترجع لهم قرار الموافقة وتركت هيئة المهرجان في رحلة بحث عن بديل؟

هنا حزوة: تماهت كل تعاليم الجمال
افتتح المهرجان الدولي للخيام بحزة، وضعت الخيام لتكون فضاء للعروض، الكثير من الحرفيين جاؤوا محملين باجمل ما صنعت ايديهم ليعرفوا الزوار على تراث القرية و المدن المجاورة، الافتتاح كان ثريا ومتنوعا.. فقرات تنشيطية صحراوية بالوان الصحراء، المهاري والفرسان والفرق التقليية التونسية والجزائرية والليبية كانت عنوانا لاحتفال متعدد الفقرات احتفال بلباس تقليدي وموروث شفوي غنائي

ينبض جمالا واملا، الفرق الليبية والجزائرية قدمت موروثها وهويتها والفرق التقليدية بحزوة قدمت للجمهور لوحات عن الخطوة الحزوية والموسيقى التقليدية واللباس الخاص بالجهة، لوحات العرس التقليدي والمحفل والهودج ومعارض للحرفة اليدوية تعطرت بشذى «العود والعنبر» و»الظفاير» بالوانها الجميلة كلها تمتع العين والقلب.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115