«النجمة» من اخراج وليد الخضراوي وهو عرض يقوم على التراث الموسيقي لجهة القصرين والمناطق المجاورة لها، موسيقى الاجداد وأغانيهم ستقدم قريبا في عرض تونسي الهوى والروح والتقديم عماده الموسيقى وهدفه نفض الغبار عن تراث لامادي منسي.
ومن الحب... خلق التمرد
كثيرة هي قصص الحب التي ولدت التمرد على العادات والأعراف، كثيرة هي اغاني العشق التي تغنت بجرأة الحبيبة وثورتها على العرف والعادة لإرضاء قلبها و التمسك بمن احبه قلبها وعديدة هي الحكايات التي تحكيها الجدات عن فتيات اخترن طريق الحب و اعتكفن في صومعة الحب متناسيات الاهل والقبيلة ، ومن احدى هذه الحكايات ولدت «النجمة» عرض موسيقي تونسي.
وحكاية النجمة هي قصة حب منذ الصغر بين ابنة عائلة ثرية تسمى «جميلة» وشاب فقير يشتغل عند أهلها «خمّاس» . نشأ الحب بينهما حتى وصل إلى سن الزواج و كالمعتاد ابن العم له الأولوية في الزواج بابنة عمه، وهذه الأخيرة يجب عليها أن تحترم الأعراف السائدة في الزواج. عندها يتمرد العاشقان ويُقرّان بإعلان حبهما رغم المشاكل التي تعترضهما من قبل المحيطين بهما. و ينتصران في آخر المطاف، هكذا تحدث المخرج وليد الخضراوي عن حكاية «النجمة» ومعنى الكلمة هو السهرة فسهرات الاعراس في المناطق الداخلية يطلق عليها اسم «النجمة» للدلالة على رمزية ذلك الحفل وكأنه «نجمة» ستضيء درب الحبيبين.
من الم البعد وقسوة العادات خلق التمرد
وتقول أغنية الاستهلال:
«هذا النهار المبارك... هذا النهار المبارك ها السامعين سيدي وأولادو جو ساريين هذا النهار النهار المبارك ها من حضر سيدي علي و اولادو جو عالظهر حبة الرمان فوق السرير اليوم يا خالة الملعب يسير مسك وعطارة فوق السطح اليوم يا خالة والملعب ركح مسك و عطارة تحت الردى اليوم يا خالة الملعب هنا بدى»
كلمات «غنج» تفتتح النجمة التي ستقوم أساسا على الموسيقى وغناء القصرين والوسط الغربي.
«النجمة» لن يقتصر على العرض بل اكد المخرج انه اتفق مع مجموعة من الحرفيات ليقدمن منتوجاتهن ويعملن في البهو فالمتفرج سيجد نفسه وسط نسوة يصنعن من الحلفاء اجمل الاشكال و يقدمن قطعا من الحلي التقليدي المصنوع يدويا نسوة بوشام على الوجنتين وشامة على الخد يغنين بعض الاغاني القديمة فيكون عرضا قبل العرض تتوفر فيه كل عوالم الفرجة ليتهيأ المتفرج ويعرف ما الذي يشاهده داخل القاعة.
«النجمة» ملحمة موسيقية ستغوص في تراث الأجداد ستنفض الغبار عن تراث منسي، عن اغاني القصرين ومناطق من الوسط الغربي، تراث لا مادي لا يحفظه الاطفال ويكاد يندثر وتكون الموسيقى والمركز الدولي للفنون المعاصرة وسيلة لأرشفته و حفظه وتقديمه للجمهور حتى لا ننسى ملاحم الاجداد فحكايات الحرب وقصص البطولة والحب و الغدر والغفران كلها دوّنها القدامى بالغناء.
و«النجمة» هى تلك الممارسات والتصوّرات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافيّة - تعتبرها الجماعات والمجموعات، وأحيانا الأفراد جزءا من تراثها الثقافي. وهذا التراث الثقافي غير المادّي المتوارث جيلا عن جيل، تبدعه الجماعات والمجموعات من جديد بصورة مستمرّة بما يتفق مع بيئتها وتفاعلاتها مع الطبيعة وتاريخها، وهو ينمّي لديها الإحساس بهويّتها والشعور بإستمراريتها ويعزّز من ثمّ احترام التنوّع الثقافي والقدرة الإبداعيّة البشرية.
التراث اللامادي هويتنا ولا نخجل منه لأنه سندنا للنهوض
«النجمة» عرض تونسي بدوي موسيقاه تونسية الهوى والروح هو عملية نبش في ذاكرة الكبار وبحث في اغاني الحب لتقديمها على الركح، واكد وليد الخضراوي مخرج العرض انهم يريدون تحطيم فكرة «المزود والقصبة، لا يقدمان في عروض كبرى» فجذور الاستهانة بالتراث ليست بجديدة والمشكل الذي ظل يواجه هذا التراث هو الخطاب الحديث والمعاصر الذي يغير كل شيء دون المحافظة على شيء... وهذا ما يصل الى تهميشه والتعالي عليه بل تغييبه وإقصاءه والحكم بعدم شرعية انتمائه إلى التراث و أنه صار تقليدا قديما لا ضرورة تقتضيه الآن و لاشئ يذكرنا به...(الرقص الشعبي، القصبة، طبال وبندير و صناعات تقليدية. مثلا الحرام و الخلخال إلخ...) على الرغم من كون التراث الشعبي هو خليط من الفنون النفعية التي نحتاجها يوميا في حياتنا اليومية (صناعة الملابس، أدوية) فهو فن
جماعي لا يعرف الفردية لأنه فن الجماهير العريضة والفنان الشعبي و الراقص و الحرفي والعازف لا يتناول سوى المواضيع التي يعرفها. فالمغني أو الراقص أو العازف هو يحاكي واقعا عقليا بصريا ويحسده في لوحة راقصة أو يؤدي معزوفة توارثنها (الطيلة،الزكرة، البندير...) فهي مشاهد يستحضر بها قصة ما أو سمعها أو تعلمها عن أسلافه دون زيادة أو نقصان. وسبب هذا الصدق و الوفاء الذي تعلّمه هذا الفنان من زمن إلى زمن آخر يدل على أصالة الفن الشعبي.
ومن أهداف المشروع على حد تصريح مخرج العرض، أولا انّ العرض منبثق انبثاقا تاما من الموروث الثقافي الجهوي ، و خلافا لما هو سائد و متداول و متشابه به في الوقت الحالي رأيت من الصالح والواجب أن أضيف لمسة فنية جديدة ومعاصرة للأغنية والرقصة الشعبية والاستفادة من خبرة فرقة الفنون الشعبية لما لها من تجربة كبيرة فى هذا المجال على مدى خمسين سنة.
وثانيا أردت أن أبحث وأغوص في أعماق المخزون الجهوي الغني و الثري و الفريد من نوعه على المستوى الوطني و اعد عرضا مميزا يرتقي بالشأن الثقافي التونسي ويقدم تعريفا أخر لتونس و لولاية القصرين، والخروج من المركزية الثقافية.
تحطيم فكرة مركزية الثقافة والنبش في الذاكرة عن الاغاني المنسية من أبرز أهداف عرض النجمة الذي سيقدم في افتتاح مهرجان الشعانبي للفن المعاصر في منتصف شهر مارس وهو عرض مختلف عن «منسيات الكاف» ويريد ان يقدم للمتفرج تراث القصرين فهي ارض للفن والغناء وللعجائز حكايات مع الغناء وارضهم ارض ابداع وليست فقط ارض ارهاب ودماء.