احتفالا بعيد الربيع لجمهورية الصين الشعبية: الموسيقى دين عشاق الحياة ونوتاتها صلوات في هيكل الحب

هلاّ اغمضت عينيك قليلا، ارتخ حتى تكون المتعة اجمل، دع لحواسك خطوة قيادة رحلة الشبق،

اترك قبلك عنوانك ودع العقل جانبا فالعشق يحتاج قلوبا محبّة للحياة لا عقولا قاسية، لك ان تسترخي وأنصت جيدا فرحلتك ايها القارئ ستحملك 7 آلاف عام قبل الميلاد، صوت الموسيقى يكون عنوانك ودليلك السرمدي قد تجدك تجالس الامبراطور شيا او تبحث عن اسرار الامبراطور شانغ وربما تستمع الى «شوان زونغ» وهو يحكي قصته مع حلمه الى القمر، رحلة ليست ككل الرحلات ستحملك الى الصين بكل اختلافاتها الى دولة يعيش فيها 56 أقلية عرقية بكل تنواعاتهم الثقافية والدينية والاجتماعية ستكون رحلتك الموسيقية.

الى الصين الشعبية كانت رحلة جمهور دار الثقافة ابن رشيق، امامك كل الالوان الوان الحب والامل والخصوبة، قبالتك ايها القارئ حكايات شعوب تقدس الموسيقى وتعتبرها كما صوت الاله مقدسة دوما، حذوك يجسدون ثقافاتهم المختلفة بالرقص، لكل رقصة حكاية ولكل حركة قصة جميعها تتماهى لتحتفل بعيد الربيع.
الرقص تاريخ والجسد كتاب مفتوح حدثنا عن أسرار»تشونجي»

هنّ ستة راقصات، يلبس الازرق السماوي مزركش ببعض الابيض و الزهري الجميل، يضعن فوق رؤوسهنّ الريش تماما كما الطيور، يحركن اليمنى وكانهن يردن الطيران، مع موسيقى هادئة وكأنك تناطح السماء او تتجول بين السحب كذلك كانت حركات الراقصات، في رقصة «نيشانغ بوي» رقصة الطيران او فساتين الريش، رقصة اخترعها الامبراطور «شوان زونغ» وتلبس فيها الراقصات فساتين من الريش، رقصة تقول الأسطورة ان الامبراطور حلم بصعوده الى القمر وهناك شاهد مجموعة من العذراوات يرقصن بين السحب فجسّد الحلم في رقصة من اجمل الرقصات.

الرقص تاريخ، الرقص بحث مستمر عن الذاكرة، مع موسيقى الناي الساحرة تخرج الراقصات بأجمل الالوان، رقصة مزخرفة كما الوان الفساتين، احمر واصفر وارجواني وزهري واخضر وكل الوان الطبيعة، اللقاء مع رقصة ّزهرة اللوتس» وهي احدى فروع رقصة التنين المختلفة بين المقاطعات ولان العرض من مقاطعة «شاندونغ» كان الموعد مع «قصة «تنين باي يه» رقصة الأمل المتجدد وتبعث في النفس النشوة كما زهرة اللوتس رقصة تبدو فيها الراقصات وكان التنين يسبح بين السحاب، الاقدام تتحرك ببطء اما الايادي فتتشابك في دلالة الى الوحدة من اجل سلامة الأرض.

تتواصل الرحلة لتظلّ معالم المتعة الغامضة مستمرة، رويدك ايها القارئ فلا زال للشبق بقية، تتغير الموسيقى تصبح اكثر قوة هذه المرة اصوات رجالية في الكواليس كما صوت الريح، هم عشرة او يزيد جميعهم يلبس اللون الترابي لون الارض، فالرقص عند الصينيين جزء من العبادة والأرض اله مقدس عندهم، يتحركون بعنف اولا يايديهم يحرثون ويزرعون وينثرون البذور وتلك هي رقصة «يانغقه» رقصة في العادة تقدم في الشوارع لأنها تشير الى ان الاجواء مناسبة للزراعة.

دع الزراعة للمزارعين ودع الارض لعشاقها ولك ان تزيد البحث لتستمتع اكثر فتلك ال 56 اقلية تزخر بموروث فني منقطع النظير، هناك الرقص كما الماكل والملبس من ضرورات الحياة، ينسحب الراقصون وتدخل مجموعة أكبر هذه المرة، صوت لصهيل الخيل، والرجال يضربون الارض بقوة ويتحركون في شكل مموج وتلك رقصة التنين الشهيرة الموجودة في كل مقاطعات الصين.

ألوان تبعث في القلب البهجة، الوان الفرح تغانجك وتتغزل بك كعاشق ينثر بوجه محبوبته اجمل الغزل، هكذا هو الرقص في مقاطعة شاندونغ بعد رقصة الارض يخرج الى الجمهور فوج من الراقصات النساء اولا يرقصن في حركات دائرية يلبسن فساتين موشاة بالاحمر لون الدم أو بلون الارض والازرق لون البحر يتحركن في دوائر ثم يخرج الرجال وتتشابك الايادي والخطوات في رقصة «ان داي» رقصة منغولية يتجاوز عمرها ثلاثة آلاف سنة رقصة للتاريخ والذاكرة رفصة التعريف بالمنغول وتقاليده، على الركح يشكل العارضون حلقة يقودهم شخص واحد في الغناء يبدو انه اكبرهم عمرا، ويحمل كل واحد منهم منديلا ملونا في يديه وهم يغنون ويرقصون معا ويحركون أقدامهم مع الإيقاعات وكلما اختلف النغم تتغير جهات دوران الحلقة مع التحول من الإيقاع البطيء إلى السريع، وتكون حركات الرقص بسيطة، وإيقاعاتها قوية، عاطفية أحيانا ومنطلقة حماسية أحيانا أخرى.

على الركح كان الجسد كتابا مفتوحا، بالحركة واللون تعرّف الجمهور الى لمحة موجزة عن تاريخ مقاطعة شاندونغ احدى مقاطعات الصين الشعبية الواحدة والعشرين، على الركح كان الجسد كتابا مفتوحا تحدث بحرية عن عيد الربيع، الى 7الاف عام قبل الميلاد عادت بنا اجساد الراقصين ، الى مجالس الاباطرة شيا و شانغ و زو تانغ حركات وطريقة في اللباس قصّت على الجمهور الاف الحكايات وحملت المشاهد ليستمتع ببداية عام «الكلب» فالعام 2018 حسب التقويم الصيني يوافق عام الكلب، وفي دار الثقافة ابن رشيق حلم الجمهور ورحل ليكتشف سحر «تشونجي» (عيد الربيع) وأسرار ذاك التماهي الموسيقي الهائل بين 56اقلية عرقية مختلفة المعتقد والثقافة.

الموسيقى شجن الروح وحديث النشوة
تنساب خيوط رقيقة كما صوت الشلال، او هي خيوط الضوء سويعات الصبح الاولى، نغمات هادئة كهدهدة طفل صغير تنساب فتحملك عنوة الى حيث الحلم، حيث يقف الزمان وتتوقف كل الحواس فقط نبضات الروح تهتف باسم العشق، مازالت مطية الحلم متواصلة، تغدو الموسيقى اكثر سحرا من بساط علاء الدين، بالموسيقى ستجتاز طريق الحرير و تعايش لسويعات بعض ملامح شعوب جمهورية الصين الشعبية.

ككل احتفال تسمع صوت الطبول يدق للاعلان عن الحفل، عزف جماعي يرحب بضيوف تونس وضيوف ابن رشيق نغمات متماهية تسمى بموسيقى «لوه قو» اي موسيقى الصنوج والطبول وعادة ماتكون عنوان البدء دوما وترافقها رقصة «الفرح»، موسيقى تتميز بالايقاع القوي وتشجعك على الرقص و تشبه موسيقى «المجوز» العربي.
بفستان احمر فاتن وضحكة جميلة تحيّي الجمهور وتعزف نغمات رقيقة هادئة هدوء العازفة الفاتنة، الة غريبة الشكل صندوق صغير ووتر طويل تشبه كثيرا الة «الوتر» و لكنها اصغر حجما والآلة هي «الأرهو» الة صينية مصنفة في خانة التراث العالمي وهي الة وترية مشدودة عمرها 1000عام مكونة من عود خشبي وصندوق صغير صٌنع من الخيزران ومغطى بجلد الثعبان به وتران اما القوس فمصنوع من ذيل الحصان، موسيقى الالة هي روح العاشق المتيم نغماتها كما خفقان قلب العاشق.

للصين سحرها وللطبيعة شدوها وموسيقاها والناي هو الاقرب الى صوت الطبيعة، تلك الالة النفخية تصالحك مع صوت الشلالات وخرير المياه، ربما هي صوت لحفيف اوراق الشجر وفحيح الافاعي أيضا او هي صهيل الخيل فالآلات النفخية في الصين متعددة تعدد ثقافاتها، بعد سحر الارهو يحلو اللقاء مع الة اخرى من التراث التقليدي ايضا واسمها «شياو» يعزفها عازف وحيد يحمل الآلة لتي تشبه الناي وينفخ ما يخالج صدره فتكون الموسيقى موجعة ورقيقة، و «شياو» (مزمار عموردي) من شمال غربي الصين هو انبوب من الخيزران ينفخ عموديا وبه 6فتحات وصوته تماما كما الناي ناعم وحزين صوت وكأنه رحلة التقرب الى الاله او تقديم طقوس القرابين.

الموسيقى تاريخ، والتاريخ بحث، والموسيقى في الصين عنوان لذاكرة متجددة ذاكرة عمرها اكثر من 7000عام، على الركح تميز العازفون فلكل الة سحرها وخصوصيتها والجميل انهم عزفوار على آلالات مميزة فقط للموسيقى التقليدية في اطار التعريف بموسيقاهم، ولان الحفل مخصص للاحتفال بعيد الربيع كانت معزوفات الفرحة هي الاكثر حضورا، الموسيقى الاحتفالية التي قادتها الة «بيبا» هي الابرز، الة نقرية تستخدم في العزف المنفرد والجماعي تشبه كثيرا «لقمبري» او «البزق»، الة موسيقاها ساحرة وفاتنة هي عبارة عن صندوق على شكل نصف كمثري وينحني جزؤها الاعلى الى الخلف، بها 4اوتار وتعزف على السلم الموسيقي الرباعي او الخماسي يحملها العازف عموديا امام صدره تضغط يسراه على الاوتار وتحرك اليمنى الوتر الكبير الة البهجة بامتياز موسيقاها لها طعم الشبق والنشوة الموسيقية وكانها تجسيد لوحي وتعاليم «لينغ لون» اب الموسيقى في الصين.

هل سئمت الرحلة؟ أم مازال هناك متنفس لمزيد استنشاق عبق زهرة اللوتس و سحر الشلالات في الصين الشعبية، لك ان تفتح عيناك الان فطريق الحرير قد انتهى والنغمات تغلغلت في ربوع قلبك وستنشدك لحن الحياة وحدها، ها قد انتهت ساعتان من موسيقى الارهو و تشونغهو و القاوهو والبانهو والماتوتشين ها قد انتشر عبق اللون وسحر الجسد في ثنايا الركح ولك الان ان تكمل رحلتك مع نغمات وموسيقات من دول اخرى فالموسيقى لا تعترف بالحدود المكانية وتتجاوز كل الجغرافيا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115