مسرحية «حرب طروادة» لروجي عساف: حارب كما تشاء وتيقن أن السياسي وحده المستفيد

الاه للجمال واخر للحب والاه للحرب واخر للنار وثالث للبحار وخامس للصيد ، يبدو انه ومنذ الازمان الغابرة

لكل إلاهه الخاص، لكل إلاهه يصنعه في داخله ويشكله كما يريد، لكل الاه مهام محددة ولكن الا يوجد اله للسلام، لماذا في الميثيولوجيا الاغريقية و اليونانية وحتى عصرنا هذا لا وجود للاه للسلام؟ لماذا تعددت الالهة واختلفت مهامها؟ لماذا برعوا في تصوير البطولة «دما وموتا ودمارا» وغاب مفهوم السلام؟ الم تشبع الالهة من الدم ؟ ماذا لو نزل الاله الى الأرض؟ هل سيرضى بكل هذا الدمار؟

لكل انسان على البسيطة حربه الخاصة التي قرأ عنها في كتب التاريخ، اما المواطن العربي فالحرب يعيشها أينما ولى تفكيره، أينما نظر لامس تعاليم الحرب وسمع صوت رصاصها واستنشق عفن الدم و الموت ، حرب لا يعرف متى اندلعت ولا كيف ستنتهي، حرب يدخلها أحيانا بدماغه واحيانا أخرى بجسده دون معرفة من وراءها فقط «لصالح أمن الدولة ولصالح الامة نضحي بالأفراد» وهو الشعار الأوحد والابرز في كل الحروب تقريبا، شعار ابدع قيدوم المسرح اللبناني روجيه عساف في تجسيده على الركح في عرض سماه «حرب طروادة».

طروادة الامس واليوم المواطن ضحية والسياسي المستفيد
من حرب طروادة اشرس الحروب واشدها في الميثيولوجيا الاغريقية الى اليوم، قامت مئات الحروب، دمرت بيوتا وبلدانا، هجّر شباب ورمى اخرون بأنفسهم عرض البحر، صُلب الصغار واغتصبت النسوة ومات الملايين وهم يخوضون حربا لا يعرفون سببها ولا نتيجتها يخوضون حربا باسم الالهة حرب تكون نتيجتها تعميق جراح البسطاء مقابل المزيد من سطوة اهل الحكم « اين كنت في الحرب، لم نرك في المعارك، اكنت تقوم بالتخطيط والاستراتيجيا واليوم تكون القائد الأوحد» كما تقول الكسندرا ابنة ملك طروادة.

كل من يشاهد العرض سيجد انها جزء منه، عمل يتحدث عن الراهن، فكل له حربه ولكل مواطن عربي خاصة حرب يخوضها وبشراسة دون معرفة أسبابها، في حرب طروادة يحمل روجي عساف الجمهور الى 3000عام قبل الميلاد وبين السطور يجد نفسه في حروب الان، بداية من مشهد افتكاك الرضيع استاياناس من حضن امه لقتله «لضمان السلامة، حتى يعم السلام يجب قتل كل من سيطالب يوما بحق العودة» كما يقول احد عساكر اغاممنونوهويتك الطفل مشهد يحملنا حتما الى ما حدث عام 1948 واغتصاب فلسطين من أهلها وتهجير النسوة وقتل الرجال والأطفال.

باسم الالهة تقتل العذارى وتذبح ايفيجينيا» ابنة اغاممنون على مذبح الالهة كي تصدر اوامرها للرياح لتغيير مسارها ليتمكن الاسطول اليوناني من الإبحار وتحقيق الانتصار على الطرواديين، في حرب طروادة يكون «الكاهن» هو صوت الاله في الأرض وهو من يتحدث باسم «الرب» ويعلن رغبته، وباسم الاله توزع الغنائم والسبايا تماما كالحرب مع داعش، الحرب التي يخوضها أناس باسم الله ويرون في الاخر «كافرا» وجب قتله واغتصابه فالكاهن يستنسخ اليوم في الارهابي «أبو بكر البغدادي» امير الدولة الإسلامية.

تتواصل المشاهد وتزداد القتامة واحداث العنف حتى يقتل الأخ اخاه ، ويغدر العم بابن أخيه ويذبح الطروادي بيدي ابن بلده تماما كما حدث في الحرب الاهلية اللبنانية التي عاش فيها اللبنانيون اسوء السنوات واشدها قتامة.

الحرب حروب، من طروادة الى اليوم، على الركح لك ان تختار الحرب التي تلائمك، تقمص الدور الذي تريد، شاهد الحرب التي تحبذ اكثر فالحرب حروب واللعبة مفتوحة ولك ان تختار اقربها اليك، فهناك حرب باسم الدين وأخرى الطائفة وثالثة لمحاربة الإرهاب ورابعة اقتصادية، وجميعها نتيجتها واحدة «مئات الضحايا من المواطنين والجنود والشهداء الأبرياء» الذين يتاجر بدمائهم خدمة للسياسة «كل ام ثكلت في ابنها او زوجة فقدت زوجها سأعتبرها اختا لي دماء شهدائنا محفوظة» كما تقول زوجة الملك اغاممنون على لسانه، أسماء الشهداء محفوظة حد تسمية الحيطان والشوارع بأسمائهم وقبور جميلة تجمع رفاتهم اما حقوقهم؟ أي حقوق امام الزعيم والملك والأمير والرئيس فكل الحقوق منه واليه تماما كما الاله.

دون ضوء ولكن الممثلين افتكوا الرهان
هو مخرج ليس ككل المخرجين، باحث في التاريخ والحضارات، المسرح عنده فعل متمرّد دائما لا يرتبط بمفهوم او قالب محدد هو المخرج اللبناني روجي عساف الذي استقبل الجمهور من على الركح، الكل تساءل عن سبب صعود المخرج الى الخشبة قبل العرض، حيّا جمهور «حرب طروادة» واخبرهم انهم لن يشاهدوا العرض كما عُرض سابقا بسبب خلل تقني فـ»بروجوكتار» المسرح البلدي مثبتة جيدا ولا يمكن فكها وإعادة تركيبها وتغيير مكانها، لذلك سيستغنون عن لعبة الضوء وسينقص عنصر جمالي من العرض، واخبر الجمهور انهم يهدون العرض الى الطفلة «عهد التميمي».
الضوء واحد لا تغيير فيه، مشهد قد يقلق المتفرج نوعا ما ولكن الممثلين ابدعوا على الركح فرسان حرب روجي عساف هم  ماريليز عاد و  نزهة حرب و  سهى نادر، و ضنا مخايل و  بشارة عطا الله وفاطمة الأحمد و سني عبد الباقي و هادي دعيبس و جوزيف زيتوني و  باسل ماضي وعبد الرحيم العوجي وأحمد غزال .
الأزياء صنعت الحركة، اللباس الاغريقي الذي خصص للنساء وللفرسان كان ممتعا اما أداء الممثلين فجد مبهر، طريقة حركتهم على الركح شدت الانتباه حد ان يصنع المتفرج السينوغرافيا بذاته ويتخيل موقع الضوء ولونه وحركته، على الركح كانوا فرسانا حقيقيين وابهروا جمهور المسرح البلدي.

المرأة من افروديت الى الان قوة حقيقية
المسرح فعل متمرد وثائر على المسرح تتحرر العقول من كل القيود وتحرر الاجساد والارواح من المعيقات على الركح كانت أجسادهم هي مطيتهم لخوض حرب المسرح وكسب ثقة الجمهور، الى حرب طروادة حملنا روجيه عساف وممثليه وموسيقاه، صوروا قتامة الحرب وسوداويتها وظلم السياسي «الكاذب» القادر على التضحية بابنته فقط لضمان مصلحته الخاصةفالحرب البطل فيها «قاتل شرعي.. سفاح شرعي.. المهم الدم.. كلما ازداد الدم تزداد السلطة»، في حرب طروادة للمرأة حضورها، منذ البداية هي محركة الاحداث اذ تقول الأسطورة أن الحرب بدأت لأن «بارس» وقع في غرام زوجة ملك اسبارطة»إيلين» فخطفها إلى بلاده طروادة، وكان لا بد من الحرب للإنتقام، حرب قامت لاسترداد الملكة الين، حرب راحت ضحيتها الطفلة «ايفيجينا» التي اختارتها الالهة ذبيحة ، تلك الطفلة قدمت درسا في الشجاعة النسائية لأنها ذهبت الى الموت طواعية فداء لليونان، حرب استدعت تدمير بلد بأكمله ومحاولة ارغام نسوته على الخنوع فكن اشد شراسة، من حرب طروادة الى الحروب الحديثة تكون المرأة اما سند الرجل ورفيقته فتحمل معه السلاح وتدفعه ليقدم، او تكون ضحية ظلم وغدر او هي ام الشهيد التي تقدم ابنها فداء لوطنه، المرأة القوية جسدت في شخصية الكسندرا ابنة ملك طروادة التي قاومت جبروت الأمير حد موته وكانت كشعلة امل متقدة لا تنطفئ مطلقا.
مسرحية (حرب طروادة) لروجيه عساف كانت درسا في المسرح، أداء الممثلين جد مقنع والنص مبهر، وسط القتامة والسوداوية هناك مسحة امل في غد افضل، مسحة امل في فعل مسرحي مقاوم لا يتقيد بالتعاليم العلوية ولا السياسية مسرح يكون فيه الممثل صانع فعل ثوري كما كان فرسان حرب طروادة وكذلك روجيه عساف.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115