المهرجان الدولي للصحراء بدوز: بعد الخمسينية، أي إدارة وأي رؤية مستقبلية..؟

اختتمت فعاليات  الدورة الـ 50 من المهرجان الدولي للصحراء بدوز والتي امتدت لأربعة ايام عاشت خلالها المدينة وجهة نفزاوية عموما حراكا ثقافيا وسياحيا غير مسبوق.

دوز كانت ﻣﺤﺠﺔ ﺍﻟﺰﺍﺋﺮﻳﻦ الذين توافدوا بالآلاف من مختلف ولايات الجمهورية ومن الخارج لتكون ﻣﺤﻄﺔ ﺍﻧﻈﺎﺭ المهتمين بالتراث والثقافة الصحراوية في مختلف تجلياتها..مهرجان لامست فعالياته مختلف أرجاء المدينة خاصة تلك التي احتضنت أهم المحطات وهي سوق الصناعات التقليدية ودار الثقافة محمد المرزوقي وساحة حنيش ،حيث تابع جمهور مكثف بساحة السوق طيلة أيام التظاهرة عروضا متنوعة نذكر من بينها الفرق الشعبية والفلكلورية ، ورشات فنون تشكيلية، عرض ترويض الزواحف ،مسابقتي أجمل فارس وأجمل مهري ،تظاهرة لننسى الاختلاف ونتشارك فرحة المهرجان من تنظيم الجمعية العامة للقاصرين عن الحركة العضوية فرع دوز..
من ثوابت المهرجان  العكاظية الشعرية، حيث احتضنت دار الثقافة محمد المرزوقي أصبوحات شعرية أثثها أكثر من خمس وعشرين شاعرا في المسابقة الرسمية والعديد من فحول الشعرالشعبي المحليين والعرب وتضمنت تكريما للباحث في الشعر الشعبي الراحل العيدي بلغيث من خلال اسناد جائزة بلغيث للابداع الشعري .. 

العكاظية الشعرية تاج المهرجان
مدير الدورة الشريف بن محمد أوصى  في اختتام العكاظية ، الهيئات القادمة بان يتواصل رصدها برّا بمن خدم الثقافة الشعبية ..نأسف شديدا اضاف بن محمد على أنه غادر دار الغروب  وهذا مؤلم كموحش الرمضاء في عزّ الصيف ،والعيدي بلغيث وهب حياته للبحث في الموروث الشعبي والموروثات الشفوية، ليتم عرض شريط وثائقي لمدة خمس دقائق عاد بالذاكرة الى خمس سنوات خلت بنفس المكان دار الثقافة ..وإن كان الكل في انتظار الاعلان عن نتائج المسابقة فان اصبوحة اليوم الاخير للعكاظية كان جد دسما بين نوع من الغناء الشعبي «المجرودة» وإيقاعها المخصوص المحبوب في الجنوب التونسي، كذلك الشعر الشعبي وشعراء كثر على غرار ايوب لسود، سالم بن عمران، البشير عبد العظيم ،..وفي تقييم فني لفعاليات عكاظية هذه الدورة أكد عضو لجنة التحكيم الباحث شهاب بن عمر بالقول «لقد فاجأنا وسحرنا ما سمعناه من شعر كتبه أصحابه من وجع حتى وضعونا في موقع تحاوشه الحسن والعسر من كل جانب فانصرفنا إلى ما كتبوا نحلل صوره المركبة ونحفر في دلالاته الفنية ونميل مع وقعه وقوافيه حتى كاد يُغشى علينا وتعشى أبصارنا.. «يرق الغلا بيك، يكبر غلاها ،تقرب سماها، اتلم نجمها في مواكب هواها».. إن معظم القصائد وردت على نفس البنية الشعرية ،نصوص تمايزت في وقعها وفي لغتها وفي صورها لتقدّم لنا فسيفساء ذات الوان وروائح واصوات ..لقد انتصر الحسن على القبح ما يجعل لتعبنا وعسر المهمة معنى... «إننا لن ندخل هذا المحراب لنتباكى لا ولكل الشعراء شكرا، أنتم الأمناء وأنتم الطلقاء» هذا ونوه بن عمر بشعراء شباب تميزوا على غرار حمزة الاصبعي من ليبيا الذي ولد فحلا وزيدان الفيتوري الذي ينهل من عين للشعر عذبة ..

بروز شعراء جدد افتكوا إعجاب النقاد والمتابعين
أما رئيس لجنة التحكيم الباحث بلقاسم بن جابر فقد تلى تقرير اللجنة الذي نوه بدار الثقافة وخاصة الجمهور الاستثنائي للعكاظية بكل المقاييس ومن اهم الملاحظات ذكر بن جابر نجاح لجنة الفرز في اختيار النصوص المشاركة في المسابقة المستوفية للشروط الفنية والمضمونية ونبه الى ضرورة الاحتكام للنصوص اولا وآخرا ، أهمية محور «الايام « في الشعر الشعبي التونسي، كثرة النصوص العالية المتنافسة على المراتب الثلاثة الاولى،بروز شعراء جدد افتكوا اعجاب الجمهور ونقاد الشعر وهذا هو الغرض الاساسي للعكاظيات والدافع للاستمرارية، الاضافة المهمة للمشاركين من القطر الليبي ..أما عن التوصيات فنبه بن جابر إلى منع المشاركين من الفائزين بالمراتب الاولى من دورة واحدة لاحقة وذلك لانجاح فرص الظهور والفوز لاكبر عدد ممكن ،تحديد سقف الابيات الشعرية لمنع الاسهاب والتطويل ،التاكيد على الالتزام بالموضوع وفروعه دون الخروج الى مسارات أخرى،وضع أرشيف للعكاظية الشعرية للمهرجان والتنويه بادارة التظاهرة لاحداث جائزتين..هذا وأسندت لجنة التحكيم للعكاظية الشعرية للدورة الخمسين للمهرجان الدولي للصحراء بدوز ،الجائزة الأولى  إلى كل من الشاعر علي بن ناجي (من دوز) والشاعر مهند أحمد بوفرنة (من ليبيا) حين آلت الجائزة الثانية مناصفة أيضا للشاعرين البشير عبد العظيم والامجد بن منصور (من دوز)، وفاز الشاعر محمد بوكراع (من تطاوين) بالجائزة الثالثة، في حين تحصل على جائزة المرحوم العيدي بلغيث للابداع الشاعر رمزي خليفة وحظي الشاعر الليبي حمزة الاصيبعي بجائزة لجنة التحكيم..

حتمية إعادة مأسسة المهرجان
الفضاء الثالث المهم كانت ساحة حنيش والتي غصت كعادة هذه التظاهرة وفي كل دوراتها تقريبا بعشرات الالاف من الجمهور العاشق للصحراء وثقافته من خلال لوحات حية من الحياة الصحراوية: المرحول، القافلة، الدولاب، الورادة، التهيليم، الجز، الصيد بالسلوقي، عراك الفحول.. بالاضافة لالعاب الفروسية (المداوري) وسباق المهاري وعروض الفرق الفلكلورية الشعبية ،تجدر الاشارة الى أن فعاليات اليوم الختامي للمهرجان الدولي للصحراء بدوز عشية الاحد بساحة حنيش شهدت حادثة احتجاج بعض الجماهير على مغادرة وزيرة السياحة والصناعات التقليدية ورئيس مجلس النواب للساحة قبل انطلاقة تقديم ما سُمي بـ «العرض الملحمي» خضراء وقد أكد  مدير الدورة شريف بن محمد أن سبب المغادرة مرتبط أساسا بموعد الطائرة التي ستقل الوزيرة ورئيس المجلس إلى تونس العاصمة ..لكن لماذا لم يتم تقديم هذا العرض ؟ و لماذا لا يتم التفكير في إيجاد مدخل خاص ﻻصحاب السلطة وسياراتهم حتى لا يربك الساحة وفعالياتها خاصة أن هذه الحادثة ليست اﻻولى ؟ لكن يبقى السؤال المهم وبعد اﻻختتام هل حققت هذه الدورة خاصة أنها تحمل رمزية الخمسينية تجديدا حقيقيا في الثوابت والمتغيرات؟ كذلك وانطﻻقا من انسحاب الهيئة الحالية اي مستقبل ﻻكبر تظاهرة تعنى بثقافة الصحراء في مستوى تشكل  ادارتها بالتعيين او باﻻنتخاب او عبر جمعية كذلك التصور والرؤية..؟ اسئلة هي اليوم تطرح بقوة سواء على صفحات الفايسبوك أو عبر لقاءات خارجها  .. 

وهذا يؤكد الضرورة اليوم لوجود لجنة تقييم المهرجان  من اجل اجراء عمليات تطوير وتعديل ليخرج المهرجان في كل دورة بحلة جديدة يراعى فيها المستجدات والتطورات والمشاركات سواء على المستوى المحلي او الدولي.. لكن المؤكد أن لمهرجان الصحراء خصوصية باعتبارها تظاهرة ثقافية تراثية انسانية لهذا  يتحتم إعادة النظر في ماسستها فهي اكبر من مجرد هيئة تنصب من قبل السلطة الجهوية واكبر من جمعية فالمطلوب مؤسسة تعمل على مدار السنة في علاقة بوزارتي السياحة والشؤون الثقافية تجمع نخبة من المثقفين من دوز والباحثين في التراث الشفوي واﻻدب الشعبي من داخل الجهة وخارجها وﻻ يقتصر عملها على ادارة تظاهرة نهاية السنة بل فعاليات أخرى في علاقة بالصحراء وثقافتها فضلا عن تطوير علاقة المهرجان بتظاهرات اخرى عالمية والتعريف به.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115