العروبية- الدولة الإسلامية الأصولية- الأممية الاشتراكية وامتداداتها العربية...ومنطلق هذا الكتاب «الى الساسة العرب : ارفعوا أياديكم عن تاريخنا» محاضرة كان قد القاها في بيت الحكمة (فيفري 2017 ) في إطار ملتقيات التاريخ وهي سلسلة من المحاضرات الدورية الهادفة إلى تقريب تاريخ : تونس والعالم العربي الإسلامي من المواطنين .
يقول المؤلف « ان ما حفزني على القاء هذه المحاضرة (وبالتالي تاليف هذا الكتاب) هو التشويه المتعمد في اغلب الاحيان الذي لحق تاريخ تونس وخاصة تاريخ الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة الذي حكم تونس من 1955 الى 1987 بصفته اول رئيس لتونس المستقلة وباني اسس دولتها الحداثية والذين تكالبوا على إلحاق الأذى به هم الثالوث الحزبي المعروف باسم (الترويكا) الذين حكموا تونس غداة انتخابات أكتوبر 2011. وتتكون هذه الترويكا من حزب رئيسي هو حزب (حركة النهضة ) الإسلام الأصولي ومن حزبين علمانيين هما حزب المؤتمر من اجل الجمهورية وحزب التكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات وقد تطاول خاصة ممثلو حزب حركة النهضة وحزب المؤتمر على تاريخ بورقيبة بعبارات استفزت
مشاعر اغلب التونسيين الذين يعتبرون بورقيبة « أب الأمة التونسية «انها عبارات انطوت على حقد دفين وإسفاف أخلاقي لا يصدق والغريب ان عددا من قادة الاسلاميين الأصوليين استغاضوا عن هذه العبارات النابية بعبارات كلها ثناء عى بورقيبة وذلك بعد ان فشلت (الترويكا) في حكم البلاد وانسحبت مرغمة واضطرت بعد ذلك الى التحالف مع الحزب الفائز في انتخابات 2014 وهو حزب نداء تونس الليبرالي البورقيبي .لذلك فان اغلب التونسيين اليوم يشكون كثيرا في صدق نوايا «النهضويين» ويتساءلون كيف يمكن لهؤلاء ان يغيروا موقفهم من بورقيبة بمثل تلك السرعة القياسية بل ان هذا الانقلاب البهلواني في الموقف من بورقيبة ضمن مواقف الإسلاميين الأولين من قضايا المجتمع الاخرى كعلاقة الدين بالسياسة والمراة والارهاب الدموي لجماعات معينة من الاسلاميين الاصوليين مثل انصار الشريعة او كتيبة عقبة ابن نافع او التنظيم الإرهابي (داعش)
لقد تزامن وصول الاسلامين الأصوليين الى السلطة السياسية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن مع موجة الربيع العربي بدءا من سنة 2011 وذلك باعانة مستترة او بارزة من الدول الغربية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها وتعود هذه المراهنة على الاسلاميين الأصوليين الى عجز الأنظمة الليبرالية العربية على خدمة مصالح المعسكر الغربي حيث استطاعت الدول اللامبريالية ترويض الإسلاميين وإلزامهم بتنفيذ أجنداتها التي من بينها إغراق الدول العربية في صراعات زائفة حول الهوية وحول قضايا أخرى تافهة من الزمن الغابر لا علاقة لها بقضايا القرن الواحد والعشرين بالإضافة إلى إشعال حروب أهلية وإضعاف هذه الدول الأربعة وتدميرها وهو ما من شانه أن يوفر فرصة للوبيات صناعة السلاح في الدول الغربية للإثراء كما يمنح أيضا فرصة لرجال الأعمال لإعادة اعمار هذه الدول لاحقا. وبعد فشل الإسلاميين الأصوليين في الحفاظ على السلطة السياسية في مصر وتونس واليمن ولييبا ومع انقلاب تنظيم القاعدة وكذلك تنظيم داعش الإرهابي على العالم الغربي أصبح هذا الأخير يبحث عن خلق بديل للأنظمة السياسية الإسلامية الأصولية التي لم
تنجح في تحقيق أجندات الامبريالية بسبب وعي الشعوب العربية ومقاومتها لها وتفيد بعض المؤشرات ان المعسكر الامبريالي بدا يغازل جماعات الإسلام الصوفي في العالم العربي ويعرف الجميع مدى قوة الطرق الدينية الصوفية في بلدان مثل الجزائر وموريتانيا خصوصا أن الامبريالية تخطط للإيقاع بالجزائر التي ظلت عصية على مخططاتها التدميرية
وقد أشار الدكتور الهادي التيمومي إلى أن ما كتب في مجال التاريخ العربي المعاصر لم يكن اغلبه محايدا أبدا كما هو الشأن في كل أنحاء العالم كما انه يجب على الدولة أن تحترم حياد المؤرخ باعتباره حريصا دائما على النفاذ إلى الحقيقة ذلك ان التاريخ ليس مسالة قانونية وبالتالي فليس للبرلمان حق تحديد الحقيقة التاريخية وسياسة الدولة في مجال التاريخ وأننا اذ نعود الى التاريخ فلا يعني ذلك فقط البحث عن الحقيقة في الماضي وإنما كذلك للبحث عما في ذلك الماضي ما يمكننا من بناء مستقبلنا ومسايرة العصر
ان التاريخ العربي كل لا يتجزأ وعلى المؤرخين تحمل مسؤولية قام به أجدادهم من أفعال بكل شجاعة والانكباب على ما احتكره إلى اليوم رجال الدين ورجال السياسة المتحالفين معهم لان هناك قضايا كثيرة وحقائق متعددة وقع طمسها وتغييبها من قبل القائمين على المؤسسين الرسميين الدينية والسياسية .
ويختم الهادي التيمومي في هذا الكتاب المتميز بعمق التحاليل وغزارة المعطيات وسلاسة الأسلوب ودقة المصطلحات بالقول أن تحسن أداء المؤرخين في العالم العربي من شانه ان يجعل السياسيين يفكرون كثيرا قبل اللجوء لتأويل التاريخ وفق أهوائهم السياسية فالتاريخ هو إعادة كتابة لا تنتهي والمهم هو صدق المؤرخ وعزمه على بلوغ الحقيقة.