بشكل يساعد على اختيار ما يقدم لهم، إخراج محمد علي أحمد، الذي اعتمد على خاصية الاخراج المسرحي، من إعداد الممثلين والديكور والموسيقى والسينوغرافيا والملابس، وهو الذي تمرس في هذا المجال من خلال إخراجه لعدة مسرحيات موجهة للأطفال. ومساعدته في اخراج مسرحيات للكهول، على غرار مسرحية حديث لجبال، إلى جانب المسرحي القدير الهادي عباس، تمثيل لطيفة القفصي ومنجي الورفلي، أمال بية، قليعي حراثي، وئام بن عمار، أحمد حمودي، جمال الذيبي، أسامة فرحات ومنصور بن زينة، سينوغرافيا إيمان الصامت إضاءة الفاضل الخنوسي وموسيقى صابر جمال.
مسرحية «سيدة القلوب» لم يكن مقصدها الترفيه عن الأطفال والناشئة فحسب بل تم التركيز عليها كفن مسرحي تخاطب شرائح عمرية، لم يكتمل نموها، ولها تقلباتها ومميزاتها، ولها حساسيتها وهشاشتها، ولا تمتلك الآليات الكافية للفهم والتحليل ومن ثمة أيضا جاء التعامل مع هذا النص أو القصة العالمية بالتركيز على الوظيفة التربوية والتكوينية، من خلال التأكيد على قيم الصداقة والتضامن، والعواقب الوخيمة للظلم والاستبداد من خلال دور الفتاة زينب «أمال بية» وهي من اكتشافات وانتاجات ورشات التكوين المسرحي، التي دأب على تنظيمها مركز الفنون الدرامية، والتي أبهرت الحاضرين بأدائها المتميز وحضورها الركحي، رغم أنها لا تزال في بداية مشوارها في المجال المسرحي، والتي تتصدّى لظلم وقسوة سيدة القلوب «لطيفة القفصي» التي تعود إلى مركز الفنون الدرامية بعد غياب لانشغالها بالمشاركة في أعمال مسرحية أخرى مع مركز الفنون الدرامية والركحية بمدنين، وتقنع زينب المهرجين وبائع المظلات، والأرنب والقط وغيرهم من شخصيات المسرحية بضرورة كسر حاجز الخوف والوقوف في وجه سيدة القلوب، هذه الشخصية المتناقضة، التي تبدو في الظاهر طيبة القلب، ولكنها في الواقع شخصية محبة للهيمنة والغطرسة وتسعى إلى ترهيب الآخرين.
وقد اعتمدت مسرحية سيدة القلوب على الجانب العجائبي والصور السينمائية في بعض فصولها إلى جانب جمالية الديكور، وانسجام مكوناته مع الموسيقى والإضاءة مما زاد في نقاط قوتها الي ارتكزت على قدرات الممثلين، واللعب على هذا الجانب بعيدا عن الديكورات الضخمة وهو ما أخرجها من النمطية التي عودنا بها مخرجو ومؤلفو المسرحيات الموجهة للأطفال.
ومن النقاط الايجابية الأخرى للمسرحية، ما ضمّن في سياق كتابة النصّ من إيحاءات واسقاطات على واقعنا المعيشي اليوم، وما يتميز به من مظاهر سلبية ولا أخلاقية، ومحاولات متكررة لقمع الحريات ومنها حرية التعبير عن الرأي، بأسلوب مسرحي عقلاني وبلغة عربية سلسة، لا يجد جمهور الأطفال والناشئة صعوبة في فهم مقاصدها، وما تهدف إليه. وهو ما نحتاج إليه اليوم في ظل ما تقدمه القنوات التلفزية، ومختلف وسائل الاتصال من برامج وأفلام ومسلسلات أثرت سلبا على تربية الطفل وعلى تكوين شخصيته لا سيما وأن أغلبها ناطق باللغة الأجنبية، وبالتالي فإن تأثير هذه المنتوجات الاعلامية على الأطفال يكون أقوى منه على الكبار، ذلك لأنّ الأطفال لم تتكون لديهم القدرة على التمييز بين الحقيقة والخيال. ومن هذه المنطلقات جاءت أهمية مثل هذه الأعمال المسرحية، التي داب مركز الفنون الدرامية على انتاجها، ومنها مسرحية النجدة، ثم مسرحية سيدة القلوب، وهي أعمال تقدّم الكثير للأطفال، وتغني حياتهم وتثري خبراتهم، وتزيدهم إمتاعا وتعلّما، وتراعي حقوقهم كفئة لها خصوصياتها السوسيولوجية والنفسية. وتخدم متطلبات حاجاتهم حتى يظلوا مرتبطين ببيئتهم ويحملون في نفوسهم واجب خدمتها والانتماء إليها.
الهادي عباس مدير مركز الفنون الدرامية :
هذا العمل المسرحي الجديد الموجه للأطفال والناشئة، أردنا من خلاله إعطاء الفرصة للمخرجين الشبان المؤمنين برسالة المسرح ، و بدوره الفعال في التثقيف و التوعية و إنارة العقول بروح تواقة للبناء والإصلاح و بث الثقة و الأمل في النفوس. و هي رسالة لكل من ينتمي إلى هذا القطاع أن يدرك أن واجبه يفرض عليه أن يسهم بأكثر ما يمكن من الجهد الصادق في توفير المقومات التي تسمح لمسرحنا بتحقيق أهدافه النبيلة و السامية لاسيما مسرح الطفل الذي حرصنا على أن تكون انتاجاته مرتكزة على نوعية الأعمال وحرفية الممثلين على غرار هذه المسرحية «سيدة القلوب»، التي تشارك فيها الفنانة القديرة لطيفة القفصي و الممثل منجي الورفلي إلى جانب نخبة من الممثلين الشبان والاعتماد على الأسلوب القصصي الذي يعد أفضل وسيلة لتقديم ما نريده للأطفال من قيم أخلاقية و تربوية وتوجيهات سلوكية سليمة.
محمد علي أحمد مخرج المسرحية
انطلاقا من أن المسرح يعد من بين الأطراف التي تشترك في تشكيل الناشئة اليوم لاسيما وأن هذه الشريحة في المجتمع تتصف و بحكم تكوينها بأنها ذات قدرات إدراكية وخبرات حياتية محدودة تجعل الأطفال يستجيبون للمثيرات التي يتعرضون لها دون تمحيص أو تقدير لعواقبها السلبية فقد اخترنا الاشتغال على هذه المسرحية المستوحاة من قصة «أليس في بلاد العجائب»، حيث ركزنا في جانب هام منها على الديكور و الألوان التي تزيد من قوة الإقناع بصورة هائلة و تزيد في التأثير على جمهور الأطفال وأيضا حرفية الممثلين وتحمسهم للقيام بأدوارهم المختلفة. وهي مناسبة لأتوجه من خلالها بالشكر إلى مدير المركز الأستاذ الهادي عباس على دعمه وتشجيعه و أيضا انسجام الممثلين و مختلف الفريق العامل في المسرحية التي تحظى بدعم من وزارة الشؤون الثقافية مما جعل مسؤوليتنا مضاعفة من الإنتاج عمل يليق بمسرح الطل و بمركز الفنون الدرامية بقفصة.