رسالة «باتريس لومونبا» من سجنه بـ«كاسي»
سنة 1960 إلى رفيقة دربه بولين.
يكتسي الاهتمام بتطوير العلاقات التونسية الافريقية حاضرا بعدا استراتيجيا وذلك في ضوء متغيّرات سياق ما بعد التحوّل السياسي والمجتمعي الفارق الذي عاشته البلاد التونسية ومتطلّبات المرحلة الراهنة التي يحتل ضمنها الانتقال الديمقراطي موقعا محوريا. ولأن ذلك الاهتمام يطرح بإلحاح ضرورة تمتين الأواصر التي تشدّنا ولا تزال إلى مجالات انتسابنا الحيوية، فإن التفكير بخصوص طبيعة العلاقات التي ربطت تونس بالقارة الإفريقية طوال الثلاث عشريات التي تلت إرساء دولة التونسيين الوطنية، ينبغي أن يحفّز على إجراء عرض توصيفي لتلك التجربة بالتعويل على ما احتفظ به الأرشيف الديبلوماسي التونسي الرسمي من وثائق، وذلك بإدراجها ضمن سياقها المخصوص والتعويل على ما راكمته الديبلوماسية التونسية من تجارب قصد الالمام بالتوجّهات التي قادتها وتحديد المكاسب التي حقّقتها، فضلا عن التبصّر بمواضع تقصيرها وكيفية الارتقاء بأدائها والرفع من نسقه بشكل يتوافق مع الموقع المتميز الذي سبق لها احتلاله والعلاقات الطموحة التي ربطتها بمختلف بلدان إفريقيا إبّان تصفية الاستعمار أو من بعده، سواء اتصل ذلك بالعلاقات الثنائية التي عاينت طوال الثلاث عشريات المقصودة بالمعايرة توسّعا في مجالات التعاون والتنمية المشتركة وتبادل الخبرات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والتربويّة والصحيّة والثقافيّة، أو فيما يتصل بتطوير أشكال التعاون الاقليمي والرفع من مستواه بين مختلف دول القارة، وخاصة بعد تأسيس منظمة الاتحاد الافريقي في ربيع 1963 وذلك على أساس مبدأ احترام سيادة كل دولة على مجالها الترابي وعدم المسّ بشؤونها الداخلية.
وليس من المصادفة في شيء أن تكون الهياكل أو المؤسسات القائمة على تحسين مستويات التمكين والمواطنة ودعم القدرات في مجال بناء السياسات والاستحضار العميق لمكاسب منظومة حقوق الإنسان الإفريقية وفضاءاتها بتطوير مستويات امتلاك ثقافة الحوكمة الرشيدة وتحسين المعرفة بالتاريخ الافريقي المشترك والارتقاء بمكانة المرأة داخل المجتمعات الإفريقية، هي التي شجّعت فرع «أوكسفام إفريقيا» الداعم لتوجهات تحالف دول الاتحاد، والمعهد العربي لحقوق الإنسان باعتباره فاعلا استراتيجيا في الارتقاء بمستوى الثقافة المدنية عربيا، على المبادرة باقتراح تصوّر طريف هدف إلى مُقاربة أشكال تمثّل المواطنة الافريقية من خلال تقييم مستوى حضورها خطابا وممارسة ضمن السياسية الرسمية لدولة الاستقلال تونسيا، وذلك عبر دعوة مؤسسات إنتاج المعرفة المحكمّة على إعداد عرض معرفي تكون مؤسسة الأرشيف الوطني التونسي وباعتبار ائتمانها منذ سنة 2009 على حفظ أرشيفات وزارة الخارجية التونسية، وجامعة تونس ممثّلة في كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بحكم مستوى الخبرة الذي بوسعها ضمانه، الضلعين المكمّلين لمربعها وذلك من أجل مؤزرة جهود منظمة الوحدة الإفريقية التي تضمنتها «أجندة 2063».
ويشفّ مثل هذا التوجّه النموذجي الذي يهدف إلى التعرّف وبشكل مجهري على مستوى وعي الدبلوماسية التونسية الرسمية بأهمية البعد الإفريقي في سياستها الخارجية، عن رغبة معلنة في تجاوز المعاينة الفوقية واخضاع عملية تقييم مكاسب تلك السياسة وهِناتها أيضا على مدى العشريات الثلاثة الأولى لدولة الاستقلال للإضاءة التحتية. كما يهدف إلى توسيع مجال المعرفة العالمة من خلال اكسابها مدلولا نشيطا يتساوق مع الواقع التعددي للساحة العمومية التونسية وضرورة العمل على ترسيخ ثقافة القبول بالتنوّع بين جميع المتدخلين أو الفاعلين في الشأن العام، فضلا عن الارتقاء بمستوى الثقافة المدنيّة بعد الانقلاب المسجّل على كيفية تمثّل التونسيين لأشكال صُنع القرار السياسي وحقيقة التزامهم حكّاما ومواطنين بثقافة العمل التشاركي وتعيير درجة نجاحهم في إدارة حوار توافقي بين مختلف مكوّنات الساحة العامة وفاعليها.
تمثلت الخطة المعتمدة للإلمام بمحتوى رصيد أرشيف وزارة الخارجية الخاص بعلاقات تونس بمختلف دول القارة الإفريقية، في انجاز عرض وصفي لمختلف حافظاته وملفاته، والتوقّف مجهريا عند عيّنات نموذجية تحيل على مجالات التعاون الثنائي، وكذا على المستوى الذي بلغه مقارنة بما تم تحقيقه على صعيد التعاون المتعدّد الأطراف. كما تقصّت العروض المستجلبة تقيما مدقّقا لمساهمة تونس في النضال من أجل استكمال تصفية الاستعمار بجميع بلدان القارة ومناهضتها الصريحة لسياسات الميز العنصري ضد الأغلبية السوداء بجنوب إفريقيا، فضلا عن مساهمتها في إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية وتوضيح تصوّرتها السياسية بخصوص أنجع السبل الضامنة لدفع التعاون الاقليمي بين مختلف دول القارة السمراء.