ولم يدخل في الطريقة حتى كان بعد للمناظرة الناشر على الكون جلة كمال محاسن الطريقة والناثر على الوجود يواقيت معارف اسرار الحقيقة المشرقات شموس معارفه غياهب الظلم الناطق لسان حاله بالعبر ولسان مقاله بالحكم صاحب الفتح الجليل والمنهج الجزيل والمنصب العالي أستاذ العارفين ودليل السالكين أبو الحسن الشاذلي علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشريف الحسيب النسيب الحسني قدس الله تعالى روحه وسقي بماء الرحمة ضريحه وما نسبة القطرة من ماء البحر الزاخر عند تعداد ما جرى من الفضائل المفاخر شريف إدريسي عَلوي، نسبه ينتهي إلى الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه.
ولد أبو الحسن الشاذلي في سنة 593 هـ / 1193م بقرية ( غمارة ) المغربية القريبة من مدينة ( سبتة ) ، وتلقى علومه الإبتدائية على شيوخها تاقت نفسه وهو صبيٌّ إلى سلوك طريق القوم فاتجه إلى أبي عبد الله بن أبي الحسن بن حرازم ، وتلقى منه مبادىء الطريق الصحيح بسنده إلى رسول الله لى الله ليه وآله وسلم ، وكان قد رحل إلى تونس ، وتلقى على شيوخها جميع العلوم الدينية ، وتفوق فيها حتى كانت له الرياسة على رجالها ثم كانت له سياحات كثيرة ؛ فقد دخل أكثر بلاد المغرب وأفريقية ، وأدى ( الحج والعمرة ) مرات كثيرة ، ودخل مصر وفلسطين والشام ، ورحل إلى العراق غيرها وقد لقي أبا سعيد الباجي بتونس وشهد له بالولاية ، كما التقى أيضاً بأبي الفتح الواسطي بالعراق ، وشهد له بالعلم والإرشاد والبركة وكان الشيخ أبو الحسن شاذلي يطلب القطب ) بالعراق فأخبره أبو الفتح أن القطب في بلاده ؛ فرجع الشيخ إلى المغرب وبحث حتى اجتمع بالقطب سيدي الشيخ ( أبي محمد عبد السلام بن مشيش ) الشريف الحسيني بتطوان ثم ارتحـل إلى شـمال إفريقـية ، وسكن بها بـلداً تســـمى ( شاذلة ) بتونس وإليها ينسب ثم رحل الشاذلي إلى إسكندرية وأقام بها ، وأكثر الأولياء المشهورين بها الآن من تلاميذه وعلى رأسهم مولانا أبي العباس المرسي وتلميذه ياقوت العـرشي ، والإمـام البوصـيري ، والشـاطبي ، والقبـاري, صحب الشيخ نجم الدين بن الأصفهاني نزيل الحرم .. إلخ ، وكان مقره فيها مسجد العطار وكان يزور القاهرة ، واجتمع فيها أثناء الحرب الصليبية بالمنصورة مع سلطان العلماء الإمام العز ابن عبد السلام ، وسلطان المحدِّثين زكي الدين المنذري ، وغيرهم من كبار العلماء ، وكان مقره بالقاهرة عند زيارتها المدرسة الكاملية بالجمالية , وقد شارك في الحروب الصليبية بالمنصورة مع أتباعه ، وقد أُسِرَ في هذه الواقعة ( لويس التاسع ) ملك فرنسا ووُضع ومن معه في بيت ابن لقمان الشاذلي
وقال الشيخ الامام العارف بالله تاج الدين بن عطاء الله: قيل للشيخ أبي الحسن من هو شيخك يا سيدي في , فقال: كنت انتسب إلى الشيخ عبد السلام بن مشيش بالشين المعجمة المكررة وبينهما مثناة من تحت وفتح الميم في أوله ثم قال: وأنا الآن لا انتسب لأحد بل أعوم في عشرة أبحر.... خمسة من الآدميين.. النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وخمسة من الروحانيين.. جبرائيل وميكايل وعزرائيل واسرافيل والروح.
وقال الشيخ أبو الحسن المذكور:رأيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو يقول: «يا علي طهر ثيابك من الدنس تحظى بمدد الله في كل نفس » قلت: يا رسول الله وما ثيابي فقال: اعلم أن الله تعالى قد خلع عليك خمس خلع.. خلعة المحبة وخلعة المعرفة وخلعة التوحيد وخلعة الايمان وخلعة الاسلام , ومن أحب الله هان عليه كل شيء ومن عرف الله صغر في عينه كل شيء ومن وحد الله لم يشرك به شيئاً ومن آمن بالله أمن من كل شيء ومن أسلم لله لم يعصه وان عصاه اعتذر اليه وان اعتذر اليه قبل عذره ففهمت عند ذلك معنى قوله عز و جل, وذكره الشيخ صفي الدين بن ابي منصور في رسالته واثنى عليه الثناء العظيم وذكره الشيخ الامام السيد الجليل شيخ الحديث في زمانه قطب الدين ابن الشيخ الامام العارف بالله ابي العباس القشطلاني في مشيخته وذكره الشيخ الامام الكبير الشان أبوعبد الله النعمان
وفاته رضي الله عنه :
توفي الشيخ الشاذلي وهو في طريقه إلى الحجاز بصحراء ( حُمَيْثَرَة عيذاب) بين الصعيد والقصير في أول ذي القعدة عام ( 656 هـ / 1258م) ومن ذلك ما اشتهر انه لما دفن بحميراًعذب ماؤها بعد أن كان ملحًا وقبره هناك مشهور مزور على ممر الايام.